الهشاشة النفسية.. آفة عصرنا!
هل شعرت يوما أنك هش نفسيا.. سؤال ربما راود كثيرا منا خصوصا في هذا الأيام الصعبة.. والسؤال بصيغة أكثر واقعية: كيف تعرف أنك هش نفسيا.. وهل الهشاشة النفسية مرض يحتاج لعلاج لمنع تفاقمها أم أنه حالة عارضة سرعان ما تزول بمرور الأوقات الصعبة؟!
هذه الأسئلة وغيرها من الهواجس النفسية ربما تجد إجابات واضحة وشافية بشأنها في كتاب مهم هو الهشاشة النفسية لمؤلفه الدكتور إسماعيل عرفة الكاتب والباحث في علم الاجتماع، ومؤلف كتاب آخر مهم هو متلازمة تيك توك وكتب أخرى.
أما كتاب الهشاشة النفسية فهو يغوص بنا في ظواهر وثقافات عصرنا عصر السوشيال والفضاء الإلكتروني، الذي جعل عالمنا عند أطراف أصابعنا يمكنك بصغطة زر أن تطوف في أرجائه ودروبه المتشعبة، وهو فضاء نجح في غزو عقولنا وتشكيل وجداننا وجعلنا أكثر غربة وهشاشة واستسلاما، وأضعف حميمية واتصالا بمحيطنا الاجتماعي. الكتاب رحلة شيقة تخوض بنا مسارات وعوالم مدهشة عبر ثمانية فصول ومائتي صفحة.
الكاتب يقرر بجرأة شديدة أن جيل الشباب الحالي مقارنةً بما سبقه من أجيال يتصف بضعف لا يؤهله لمواجهة أبسط مشكلات الحياة الشخصية، فضلًا عن تحمل مسئولية فكرة أو قضية كبرى، تلك المشكلات كان الجيل السابق في نفس السن يستطيع مواجهة أصعب منها وفي ظروف أشد..
وقد يصل الشاب إلى سن الخامسة والعشرين وهو لا يزال في تفكيره وتصرُّفه إبن الخامسة عشرة كأنه لم يتجاوز المراهقة ولم يدخل سن النضج، ويميل أكثرهم إلى تضخيم مشكلاتهم، ويملؤهم شعور بأنهم يستحقون كل شيء دون بذل الجهد المطلوب، وإلا فالاكتئاب وكره الحياة هو البديل.
ثم يصل الكتاب إلى محطة الحب والعاطفة اللذين يمثلان احتياجا فطريا، ذلك أن تأخُّر سن الزواج في مجتمعاتنا العربية وعدم تفهُّم الأهل طبيعة مشاعر أبنائهم، وعدم توفِّر الحواضن التي تضمن لهم النمو النفسي والعاطفي السليم، هذا السعي من أجل شغل الفراغ القلبي يوقع كثيرًا من الشباب في فخِّ المشكلات النفسية الناتجة عن العلاقات العاطفية التي تبدأ بشكل خاطئ وتنتهي بشكل خاطئ.
وهنا لابد أن تتفهم الأسرة حاجات أبنائها وبناتها واحتوائهم بشكل صحي وسليم، وأن يأخذ الشباب بأسباب الوقاية من الانجرار إلى وهم الحب غير الناضج.
أخطر ما يحذر من الكاتب هو وسائل التواصل الاجتماعي التي تسبَّبت في ترسيخ العديد من الصفات عند شباب هذا الجيل مثل تعزيز النرجسية، فهي قائمة على التفاعل والمزيد منه، حتى إن المستخدم لها قد يحسب قيمته بما يجنيه من تفاعلات ومشاركات، وهذا النظام البائس رسَّخ حالة غير مسبوقة من إحساس الفرد الزائف بذاته، وجعله يسعى بشكل مستمر إلى الوجود على الفضاء الإلكتروني، وقد يسعى إلى إثارة الجدل فقط من أجل الحفاظ التفاعل والأضواء.
ومن هنا تنشأ صفات التغيير من أجل التغيير، فأطول فترة لأي موضوع تتم مناقشته على وسائل التواصل لا تتجاوز أسبوعا في أفضل الأحوال، أدى ذلك بالشباب إلى تقديس التغيير المستمر والإصابة بالملل السريع، وتلاشت قدرتهم على التركيز واتباع روتين ثابت، وهذا التسابق المحموم يتعارض مع قوانين الحياة التي تقرِّر ألا نجاح يأتي إلا بعد صبر طويل وعمل دءوب دون توقُّف، وعندما لا يرى المتسرع نتائج فورية يصاب بالإحباط واليأس..
وهنا يثور سؤال: أليس هذا حال شبابنا ومجتمعنا.. فهل تنبه علماء النفس وأطباؤه لخطورة المتغيرات التكنولوجية على شبابنا ومستقبل أمتنا؟! كتاب الهشاشة النفسية صرخة علمية وجرس إنذار ينبغى أن نأخذه على محمل الجد لتشخيص واقع معقد ووضع حلول لإنقاذ شبابنا من الهشاشة النفسية المدمرة.
يقول الشاعر: أقبل على النفس واستكمال فضائلها.. فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان.