رئيس التحرير
عصام كامل

بذخ الأفراح واستفزاز الفقراء!

هذه الأيام تشهد ظواهر اجتماعية عجيبة؛ تظهر تناقضات فجة؛ فرغم الغلاء الفاحش فإن الناس خصوصًا الأغنياء والمشاهير لا يتورعون عن الإنفاق الباذخ على الأفراح وموائد الطعام في الفنادق وقاعات الأفراح، حتى أن ما ينفق في ليلة واحدة يمكنه أن يقيم مشروعًا يوفر فرص عمل لمئات الشباب العاطلين أو يوفر دواء لآلاف المرضى المعوزين!


إن أفراح المشاهير والأثرياء تشهد بذخًا ما بعده بذخ.. الكل  يتسابق لارتداء أحدث ما تضخه بيوت الأزياء حتى لو تكلفت الملايين.. أفراح تقام في أغلي الفنادق دون أن يسأل هؤلاء المسرفون أنفسهم: أين حق الفقراء الذين يكاد الفقر يقتلهم، في أموالهم.. أين الرحمة بهؤلاء الفقراء الذين يسحقهم الغلاء كل يوم بلا رحمة.


ومن أسف أن أموالًا ضخمة تنفق على موائد الأغنياء وفي كل المناسبات من أفراح وأحزان وربما يذهب ما زاد من الطعام إلى سلال القمامة، ناهيك عما ينفق من ملايين كثيرة في استئجار صالات فخمة كان أولى بها ملايين الفقراء والمرضى المعدمين في ظل ما نعيشه من غلاء فاح أوقع الناس في ضيق شديد خانق.. أين هي التجارة الرابحة مع الله تعالى، التجارة التي لا تبور أبدًا.

تكافل وتراحم


إن ما نراه من بذخ في الاحتفالات وضجيج الأفراح، يسهل على الكثيرين الانجراف خلف بريق التقاليد والرغبات العابرة، متجاهلين تبعات هذا السلوك على المدى الطويل؛ وكيف يثير ضغينة وأحقاد الفقراء وهو ما يهدد السلام الاجتماعي.


إننا في حاجة لتغيير ثقافتنا وسلوكياتنا في الأفراح التي جعلناها مهرجانًا باذخًا، يجرى خلاله استعراض الفخامة والبذخ، والتنافس في إظهار الجلال والبهاء، غافلين عن حقيقة مهمة أن هذه الأموال كان يمكنها أن تجد مكانًا أفضل في استثمارات تضمن مستقبلًا أكثر استقرارًا وأمانًا لآلاف الأسر المحتاجة.


ما ننفقه في ليلة واحدة، طلبًا لفرحة وهمية تستمر ساعات قليلة، ربما تفشل بعدها زيجات بنيت على غير أساس سليم لا يجنى أصحابها إلا الندم والتعاسة، فالإنفاق المفرط في الزفاف ليس إلا تحويلًا للأحلام إلى سراب.. 

 

وبدلا من أن يكون الزفاف بداية لحياة مستقرة ومزدهرة، يكون بداية لشقاء وحسرة وتفكك أسرى ومشاكل لا حصر لها.. ليتنا نتخلص من العادات والتقاليد التي تهدم ولا تبنى، لا تدوم بل تزول بزوال الزهور وانطفاء الأضواء وانصراف المعازيم.


افرحوا كما شئتم لكن دون بذخ أسطوري واستفزاز لمشاعر ملايين الفقراء الذين يتابعون أفراح الأغنياء عبر صفحات السوشيال ميديا فلا تزيدهم إلا نقمة على هؤلاء الموسرين المسرفين المبذرين الذين هم إخوان الشياطين.. يقول الله تعالى: "إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُوٓاْ إِخْوَٰنَ ٱلشَّيَٰطِينِ ۖ وَكَانَ ٱلشَّيْطَٰنُ لِرَبِّهِۦ كَفُورًا" (الإسراء: 27).

 


متى نعود إلى البساطة ومراعاة مشاعر الفقراء ومد يد العون للفقراء، ليسود المجتمع تكافل وتراحم نفتقدهما كثيرًا في هذه الأيام؟!

الجريدة الرسمية