استطلاع رأي مطلوب جدًا!
هل جربنا أن نجرى استطلاع رأي لطلابنا في مراحل التعليم المختلفة نسألهم: هل تحبون ما تدرسون.. أو هل تستمتعون بما تدرسون.. ما أقصى طموحاتكم في التعليم.. هل تنوون مواصلة التعلم بعد التخرج.. أم ستكتفون بالحصول على شهادة علمية في أي تخصص؟!
صدقونى.. الإجابات يمكن أن تمثل خارطة طريق لصناع التعليم في مصر.. وهل نحن على الطريق السليم.. أم أننا في حاجة لمراجعة شاملة للمناهج وطرق التدريس أم نحتاج لنسف حمامنا القديم لتأسيس منظومة تعليمية جديدة أهم عناصرها حب الطالب للعلم وحرصه على التعلم مدى الحياة.
فحينما نمعن النظر في فلسفة عالمنا الجليل الدكتور فاروق الباز التي لخصها بقوله: أنا عندي 86 سنة ولسه بذاكر.. ندرك مدى احتياج أجيالنا الجديدة لفهم هذا المعنى؛ حتى يتغلبوا على ما قد يخالجهم من شعور بالملل أو الإرهاق في دروب التحصيل الدراسي، لدرجة تدفعهم لتمنى الخلاص من عبء المذاكرة التي تعكر صفو حياته!
فليس للنجاح إلا طريقٌ واحدٌ هو التعلم والعلم، وهذه ثقافة ينبغي أن يتم تكريسها في مجتمعنا، وحتى يتقبلها الناس أو الأجيال الجديدة تحديدًا، ينبغي أن نحبب طلب العلم إلى قلوبهم، وأن تبعد المدرسة عن كونها فصل وحصة ومعلومات تصب في الدماغ صبًا، وثانوية عامة تمثل معاناة بكل ما تحمل الكلمة من معنى..
بل وعقاب يخرج منها الطالب بمجموع لا يصلح وحده مقياسًا لجودة فهمه ومعارفه وتحصيله، وإرجعوا إن شئتم لنتائج الفرق الأولى لبعض كليات طب الصعيد في الأعوام الماضية لتعرفوا أنه ليس كل من حصل على مجموع كبير يصلح لكلية قمة، وأن كليات الطب والهندسة ليستا وحدهما كليات قمة..
وهذا ما أشار إليه الرئيس السيسي أخيرًا عن أهمية تعلم البرمجة وكليات تكنولوجيا المعلومات التي توفر لخريجيها فرص عمل، ورواتب أفضل من كليات نظرية لم يعد سوق العمل يحتاج كل هذا الكم من خريجيها.
التعلم وقود النجاح
ما أحوجنا لحوار عقلاني حول التعليم الحق، وما تحتاجه مصر فعلًا في هذه الأيام من نوعية الخريجين المناسبة، سواء لسوق العمل أو للبحث العلمي، حوار يتولاه أهل الاختصاص وعلماء النفس والاجتماع، لتحسين صورة التعليم الفني اجتماعيًا في أذهان الأجيال الجديدة حتى تقبل عليه طائعة مختارة..
فنحن نحتاج للفنيين المهرة الحاصلين على تعليم جيد كما الحال في ألمانيا التي تحصد 200 مليار دولار سنويًا من العمالة الفنية المدربة في المصانع ومختلف مواقع الإنتاج.
الحرص على التعلم مدى الحياة مبدأ تعتمد عليه الدول المتقدمة في مسيرتها، في الجامعات ومراكز الأبحاث والتصنيع، التعليم والتدريب مقومان أساسيان لا يفترقان إذا أردنا تميزًا في العلم والعمل.. وتلك ثقافة موجودة في تراثنا..
فأولى آيات القرآن "اقرأ".. ولا يستوى من يعلم ومن لا يعلم.. يقول الله تعالى: "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ" (الزمر:9)..و يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقا يلتمس به علما؛ سهل الله به طريقا إلى الجنة"..
ويقول أيضا عليه الصلاة والسلام: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها طائفة أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به"..
لكننا للأسف أغفلناها حتى صار التعليم عندنا وسيلة للحصول على الشهادات والوظائف وليس بناء المعامل وإحراز المخترعات والمكتشفات وبراءات الاختراع.
كلام الدكتور فاروق الباز عن التعلم مدى الحياة شيء عادى لا يختلف عليه اثنان في الغرب، بل هو ركيزة لا غنى عنه، يقول ابن المبارك-رحمه الله-: "لا يزال المرء عالما ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل".. فماذا بعد العلم إلا الجهل والتخلف والمرض.
التعلم مدى الحياة وقود التقدم والنهضة، بهما تتزود الأمم بالمعارف فتنتج وتبنى وتحوز أسباب القوة، فالبشر قبل الحجر، نجاح اليابان فقيرة الموارد ليس نتاج غنى الطبيعة بالخيرات بل العكس فيكفى ما يعانيه هذا البلد من غضب الطبيعة والزلازل والأعاصير والكوارث..
لكن الفيصل هناك عقول البشر التي ضمن التفوق العلمى والاقتصادي حتى باتت ثاني أقوى اقتصاد في العالم، ناهيك عن التكنولوجيا فائقة التقدم.. أين يكمن السر.. وماذا ينقصنا لنستلهم تجارب النجاح في كوريا أو ماليزيا أو سنغافورة أو حتى فنلندا؟!