الأسرار الإلهية في مملكة الإنسان (9)
عزيزي القارئ مازال الحديث عن أسرار الله تعالى في مملكة الإنسان، وحديثنا في هذا المقال عن أعظم ما أنعم به الحق عز وجل على الإنسان وميزه به. حديثنا عن العقل. العقل هو آلة الإدراك والتميز في مملكة الإنسان وهو قائد ركب المملكة الإنسانية، فبه يميز الإنسان بين الحق والباطل. وبين النافع والضار. وبين الخير والشر. وهو مناط ومحل التكليف.
إذ أن فاقد العقل غير مكلف وبالتالي غير مٌحاسب.لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم "رُفع القلم عن ثلاث، عن النائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، والصغير حتى يكبر". هذا والعقل هو المخاطب من الله تعالى وبه يٌكرم الإنسان أو يٌهان ويُثاب ويُعاقب. وفي الحديث أن أول ما خلق الله العقل قال له "أقبل فأقبل. ثم قال له أدبر فأدبر. ثم قال سبحانه: ما خلقت شيئا أحسن منك. بك آخذ وبك أعطي. وبك أحاسب فمن كان له واعظ من نفسه كان له من الله حافظ".
العقل والقلب
وكلمة العقل إصطلاحا هي عادة ما تستعمل لوصف القدرة على التمييز والإدراك وإتخاذ القرار. وبه يتفاضل الناس في الدنيا والآخرة. فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها أنها سألت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قائلة “بما يتفاضل الناس 'أي بعضهم على بعض' قال: بالعقل. قالت: ذاك في الدنيا فبما يتفاضلون في الآخرة؟. قال: العقل. قالت كيف؟. قال: وهل عمِل الناس إلا بقدر ما عقلوا".
هذا والعقل هو محل الفكر والتفكر والعلم والنظر والتبصر والإدراك والتدبر. وهو هبة الله تعالى للإنسان وبه تميز الإنسان على سائر المخلوقات حيث أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يمتلك العقل والقدرة على التفكير والتحليل وهو آداة الخلق والإبداع والإبتكار.
هذا وهناك رابط ما بين العقل والقلب وهناك عقل معقول مركب في الرؤوس، وهناك عقل مبطون في القلوب، ولقد أشار الحق سبحانه وتعالى إلى ذلك بقوله تعالى " أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور". هذا وللحديث بقية.