هل انتهى عصر القامات الصحفية؟! (2)
تساءلت هنا من قبل: هل انتهى عصر القامات الصحفية؟! ورغم أنني أميل إلى الإجابة بالنفي.. ولى أسبابي التي تعزز قناعتي هذه؛ ذلك أن مصر بلد كبير يمكن أن تمرض أو تضعف لكنها بمخزونها الحضاري لا تموت.. بل إن حكمتها التاريخية تبقيها دائمًا بين الأمم الحية بل الأمم الخالدة..
واقرأوا إن شئتم كتب التاريخ لتعرفوا كيف هبّت مصر من سباتها لتعيد توجيه حركة التاريخ.. وكم دافعت وانتصرت عن العروبة والإسلام وصنعت للمجد تاريخًا لا ينازعها فيه منازع.. ولعل انتصارات مصر في معارك عين جالوت وحطين والسادس من أكتوبر (العاشر من رمضان) والعبور العظيم في 73 خير شاهد على ما أقول!
نعود للمشهد الصحفى.. ولماذا اختفت أو كادت تختفي القامات الصحفية؟! لنقول إن الصحافة التي نعرفها تغيرت بلا شك.. ولم تعد السلعة التي تقدمها للجمهور تصلح لزماننا هذا، فالعالم كله يمر بعملية إحلال كبرى بدأت بالفعل بالتحول إلى الصحافة الإلكترونية محل الورقية.. وهناك صحف كبرى في أمريكا والغرب وفي دول عربية أقدمت على خطوات مهمة وضرورية لإبقاء الصحافة على قيد الحياة والتأثير وأداء الدور والرسالة.
كلنا يعرف أن هموم الصحافة وتحدياتها وشواغلها الكبرى في أغلب دول العالم لم تعد تقتصر على طبيعة علاقتها بالسلطة ولا في هامش الحرية المتاح لها بل الخطر الأكبر يكمن في تآكل اقتصادياتها بعد اكتساح الوحش الإلكتروني لسوق النشر، متسببًا في إغلاق صحف والإطاحة ببيزنس هائل بالملايين..
والسؤال: كيف نتوصل لصيغة زواج شرعي بين مهنة عريقة وثورة جامحة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات؟! وكيف نعيد تواصل الأجيال بين شيوخ وحكماء المهنة وشبابها.. ليتدفق التميز والإبداع في شرايينها..وتتدفق الخبرات للأجيال الجديدة التي ستتحمل أمانة المسئولية والقيادة؟!
لابد لنقابة الصحفيين أن تتدخل لضبط المشهد الصحفي والتدقيق في قواعد القيد بها، وتكثيف برامج التأهيل والتدريب، مع كليات وأقسام الإعلام والصحافة بالجامعات المصرية، لضمان تخريج كوادر على دراية وثقافة وإلمام بقواعد وأصول المهنة حتى تستعيد بريقها وتألقها وتصنع قاماتها ونجومها، كما يعيد أبناؤها مجدها ورونقها!
من يقارن حال المهنة اليوم بأوضاعها أيام القمم السابقة يجد بينهما فارقًا شاسعًا.. فشتان ما بين قمم تشارك في كتابة التاريخ وصناعة الأخبار والاقتراب من الرؤساء الذين اتخذوهم مستشارين لهم وبين صحفيين وربما رؤساء تحرير لا يستطيعون عقد مقابلة مع رئيس وزراء أو حتى وزير ولا يقدرون على نقد رئيس حى!
القامات الصحفية تكاد تتوارى، فالفارق بين صحافة اليوم وصحافة زمان؛ هو ذاته الفارق بين البيئة الحاضنة زمان وبيئة اليوم، فشتان بين أجيال كانت تقرأ وتلتهم كل ما يصل إليه أيديهم من كتب مطبوعة كانت تعيش عصرها الذهبي ثم توارت اليوم وحل محلها ثقافة السوشيال ميديا..
بعودة الثقافة والفكر والقراءة والمهنية تعود القمم الصحفية.. نحن في حاجة لصحوة صحفية جديدة تعيد بناء نفسها ورؤية حيوية تصنع جاذبية وتأثيرًا كبيرًا وجمهورا جديدًا.. وإلى أن يحدث ذلك فنحن في زمن غابت فيه القمم الصحفية الشابة أو تكاد!