وهم التغييرات الصحفية
لا أعرف على وجه الدقة من هي الجهة التي تعكف على دراسة التغييرات الصحفية في الصحف القومية ولا أعرف ما هي الفلسفة التي تقوم عليها عملية التغيير وتكليف زملاء جدد ليقوموا بما لم يقم به آخرون كانوا في أماكنهم أو ليكملوا طريقا بدأه السابقون على التغيير.
والقصة نفسها فيما يجرى من مقابلات لتغيير وزاري قادم في رحم الأيام القليلة القادمة، وإذا أردنا الدقة فإن التغيير في حد ذاته ليس هدفا، فمن يحقق الأهداف المرجوة يبقى لاستكمال مسيرته التي بدأها، ومن أخفق فعليه التراجع لإتاحة فرصة لجيل جديد.
تغيب عادة فلسفة التغيير عن عملية التغيير فيجد المواطن نفسه في دائرة لا يعرف حدودها ولا يستطيع أن يرى ملامح لها، والصحافة والإعلام أصبحا على درجة عالية من الحساسية والأهمية وليس كما يقال إن الإعلام المحترف يتراجع لصالح الإعلام الاجتماعي.
في كل الدنيا لايزال الإعلام واحدا من أسلحة الدول والمجتمعات ضد الفوضى وضد الشائعات إلا عندنا، خصوصا وأن الإعلام الاجتماعي يحظى بما لا يحظى به الإعلام المحترف من مساحة حرية، في حرية التناول والعمل، فما يقوم به مواطن على صفحة فيس بوك أو على تويتر يصبح خطرا كبيرا إذا ما قام به صحفي أو إعلامي من على منصة خاضعة للقوانين والمعايير.
التغييرات في الصحف القومية
والتغيير في الصحف القومية على درجة عالية من الأهمية إذ إن الصحافة القومية تتسع رقعتها وتتنوع لتغطى مناحي الحياة المصرية، من إعلام الطفل إلى إعلام المرأة إلى الإصدارات المتخصصة والعامة، ولها نصيب كبير من ساحات التغطيات الحياتية، وهي لسان حال النظام والصوت شبه الرسمي للدولة المصرية.
هل تم تدارس وضع كل مؤسسة على حدة ومن ثم البحث عن شخصيات تستطيع تحقيق أهداف التغيير المنشود؟ أشك أن يكون ذلك هو الطريق إلى اختيار الكفاءات الجديدة التي تتولى مهاما حساسة وغاية في الخطورة، وآفة الأمر أن هناك من يجلس مع مجموعة ما لا أعرفهم ليختار هكذا واحدا لكل صحيفة أو مؤسسة دون أدنى دراسة لوضع تلك المؤسسة.
والذين ذهبوا في التغيير الأخير كانوا زملاء أفاضل والذين جاءوا أيضا زملاء أفاضل لهم الحق في فرصة لتقديم أنفسهم، وتقديم نماذج من التطوير الملح لإنقاذ مؤسسات لها تاريخ عريق ليس على المستوى المحلي فقط وإنما تعدى ذلك إلى المستوى الإقليمي.
كانت صحافة مصر ولفترات طويلة صاحبة تاريخ كبير توقف أو أصيب بالجمود في عصر مبارك الذي ترك المؤسسات الصحفية لسنوات طويلة دون تغيير دمائها الإدارية، ولم يفق إلا في الحقبة التي كان لجمال مبارك فيها يد طولى، فدفنت أجيال كثيرة لم تحظ بنصيبها في الإسهام الصحفي.
ومنذ أن تولى الرئيس السيسي والأمر لايزال غامضا رغم كثرة التغييرات، حيث لم تصل التجربة حتى الآن إلى نموذج ناضج يضع أسبابا وفلسفة للتغيير، صحيح أصبحت فرصة الأجيال المتعاقبة أكثر إتاحة إلا أنها في المجمل لم تحقق أهدافها.
والأكثر إثارة أن الذين يتولون المهام الجديدة ليست لديهم الإرادة الحقيقية لإحداث تغيير من خلال حوار مع السلطة، حوار حول مساحة الحرية التي يجب أن يتحرك فيها الصحفي ليصبح جزءا من هموم الناس، ولسان حال المواطنين معبرا عن مشكلاتهم وهمومهم وأداة توصيل جيدة للنظام.
وأخيرا لا يمكن الحكم على تجارب الزملاء الذين رحلوا أو الذين جاءوا بمعزل عن الظروف المحيطة ومناخ الحريات وساحات التحرك الصحفي، والأخذ بكل أسباب التقدم الحاصل في الإعلام الجديد.
