من كان يعبد رمضان!
مرت أيام رمضان مسرعة كأنها طيف جميل تناغمت فيه حركة البشر مع حركة الكون؛ فالمساجد كانت عامرة بالمصلين، والصدقات تتدفق على الفقراء من كل حدب وصوب يتنافس فيها أهل البر والإحسان طمعًا في رضوان الله.. وموائد الرحمن تكاد لا يخلو منها شارع ولا حارة..
لكن ما إن ينتهي رمضان حتى ينحسر بعض المصلين عن المساجد، ويعود أناس إلى سيرتهم الأولى، فتقل الصدقات وتفتر العزائم وينزغ الشيطان بين الناس فتكثر المشاحنات والخلافات والجرائم وكأنهم لا يتقربون إلى الله إلا في شهر الصيام..
وهو ما يدفع البعض للقول "من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد فات، ومن كان يعبد الله فإن الله حىٌّ لا يموت"، ورغم تحفظ البعض على تلك العبارة لكنها لا تخلو من معنى ومغزى.. فإذا أردت أن تعرف مكانك عند الله فانظر أين أقامك.. هل واصلت عمل الخيرات بعد رمضان لتحقيق الاستدامة ولو بصورة أقل..
أحب الأعمال
صحيح أن لشهر رمضان خصوصية وفضلًا عظيمًا لا ينافسه فيه إلا العشر الأوائل من ذي الحجة، حيث تتضاعف فيها الحسنات وتتنزل الرحمات وتكثر النفحات.. لكن من علامات القبول إلا ينقطع المؤمن عن عمل الخير بعد رمضان ولو بدرجات أقل؛ فخير الأعمال أدومها وإن قلّـت.. تقول السيدة عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قالت: سُئِلَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قال: "أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ" رواه البخاري.
ويقول الحسن البصري: "إن الله جعل رمضان مضمارًا لخلقه؛ يتسابقون فيه بطاعته فسبق قومٌ ففازوا، وتخلّف آخرون فخابوا. فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر المبطلون".
فليحذر من كان محسنًا في رمضان أن يتراجع عن إحسانه، وإياك أن تكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوةٍ انكاثًا.. لا تهدم ما بنيت، لا تسود ما بيّضت، لا ترجع إلى الغفلة والمعصية فوالله أنك لا تضر إلا نفسك.. فالله غنىٌّ عنك وعن الناس أجمعين، لا بضره من ضل ولا ينفعه من أطاع واتقى يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم"..
ويقول النبي الكريم لمن أصيب بالفتور والكسل في الطاعة بعد رمضان الذى ليس شهرًا، بل أسلوب حياة وبداية تغيير، فافسحوا له المجال ليحيا معكم، وتحيوا به طوال العام.. ولا تهجر القرآن بعد رمضان واجعل لك وردًا لا تتركه ليكون شفيعك يوم القيامة. يقول رَسُولَ اللَّهِ «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأصْحَابِه"..
ما أجمل أن يداوم الإنسان على عمل الطاعات والتقرب إلى الله بالعطف على الفقير والمسكين واليتيم، فجبر الخواطر عمل عظيم وأفضل الأعمال سرورٌ تدخله إلى قلب مؤمن.