المطرية.. سيمفونية إبداع بلا قائد! (2)
لا يزال إفطار المطرية مشهدًا مبدعًا يتجدد عامًا بعد عام، ليظهر المعدن الحقيقي للمصريين، وقدرتهم على العطاء والتنظيم الجيد والعمل في فريق بمنتهى الدقة والإتقان وإنكار الذات.. المشهد فيه من الرسائل ما فيه، وهو ما يدعونا للفخر والثقة في عظمة هذا الشعب الذي قد يضعف أو يمرض لكن روحه الحضارية الفذة لا تموت حتى وإن أصابها خمول لكنها دائمًا قادرة على العودة وكتابة التاريخ وصناعة الأحداث الكبرى.
إفطار المطرية رغم ضخامته فإنه خرج للنور برعاية الناس أصحاب الحي من أبناء عزبة خير الله؛ فلا حزب ينظم الصفوف ولا مؤسسة ولا جمعية ولا حتى قيادات حكومية قامت برعاية الحدث والتخطيط له، ثمة خلايا نحل، مجموعات منظمة بدقة، شباب وفتيات، نساء ورجال، شيوخ وأطفال، الكل يعمل في نسق منتظم يجمعهم حب شديد لما يعملون، وتعاون منقطع النظير، كل فرد يعرف دوره وملتزم بتنفيذ المطلوب منه!
لكل مجموعة قائدًا، ولكل شارع مسئول، ولكل مهمة مُشرف..التفاصيل غاية في الإتقان والإبهار وفيها تسكن العظمة وتتجلى الروعة، بداية من تنظيف الشوارع ورسمها وتلوينها، وتعليق الزينة والأنوار، وشراء الخضار والفاكهة واللحمة والفراخ، وتوزيعها على البيوت لتجهيزها، كل بيت يعرف ما هو المطلوب منه وأي أصناف ستخرج منه..
معروف من سيتسلم الطعام من المنازل ومن سيضع الأصناف المختلفة في الأطباق ومن سيغلف تلك الأطباق ومن سيضعها علي الموائد وكيف سيضعها..من سيوزع كراتين المياه ومن يوزع العصائر وفي أي شارع.. ثم تجد مجموعات من الشباب تتولى تنظيم دخول الناس وجلوسهم ومجموعات أخري لتسهيل حركة المرور.. لا شيء عشوائيًا.. كل شيء مدروس ومخطط بعناية مسبقا وربما تم التدريب عليه حتى لا يترك للعشوائية والمصادفة.
هذه هي روح مصر وعبقرية مصر التي يخشاها من لا يرجون لها خيرًا.. إفطار المصرية رغم أنه عمل خيري يحتضن آلاف المواطنين مسلمين ومسيحيين، أغنياء وفقراء أتوا من كل حدب وصوب ليتنعموا بأجواء روحانية رمضانية، جاءوا ليتنسموا روح الأخوة وينهلوا من نفحات الشهر الكريم ليضربوا المثل في المودة والمحبة، والترابط والتلاحم والتكافل وحب الخير رغم قسوة الظروف الاقتصادية.. وهذا رسائل مهمة جاءت من حى واحد في القاهرة فلا تستهينوا بقدرة المصريين وحكمة هذا الشعب العظيم.
الدعاء أهل غزة
تحية لأهالى المطرية ولكل من شارك في لمة العيلة المصرية فى رمضان الذين جددوا فينا الأمل، وأعادوا للشهر الكريم وروحه وبهجته التي تأثرت بفعل ما يجرى لأشقائنا في غزة من جرائم دموية من احتلال غير أخلاقي وغير إنساني..
والأهم أن أهالى المطرية لم ينسوا أهالى غزة المكلومين المحاصرين في خندق الجوع والقتل والمرض، فقد ارتفعت هتافات أهل المطرية دعمًا ومساندة لأشقائهم في غزة لتُسمع القاصي والداني دون تنظيم مسبق أو اتفاق، وتلك مشاعر طبيعية وأقل ما يمكن أن يفعله هذا الجمع الطيب الذي نرفع له القبعة إجلال وتقديرًا لحسن صنيعه..
فتحية لأهل المطرية الذين لم تغيرهم الأزمات ولم تثنهم الظروف الاقتصادية عن تنظيم أكبر وأعظم مائدة إفطار في العالم.. فهل أدركتم عظمة هذا الشعب وقدراته الفذة التي يستمدها من مخزون حضاري يمتد في أعماق التاريخ لأكثر من 7 آلاف عام!