مسلسلات وبرامج تهدم أكثر مما تبنى؟!
في رمضان تكثر المسلسلات والبرامج وتزدحم الشاشات بالإعلانات.. لكن السؤال: هل ما يقدم فعلًا من أعمال درامية هو ما تحتاجه مصر في هذه الفترة الفاصلة من تاريخها.. هل هناك مسلسل يبنى القيم والأخلاق لدى النشء والشباب.. أين ذهبت الأعمال التاريخية التي يحفل بها تاريخنا؟
لماذا لم نعد نجد مسلسلًا يقدم نماذج واقعية شقت طريقها للنجاح وسط صعوبات الحياة.. أمثال طه حسين أو نجيب محفوظ أو أحمد زويل أو فاروق الباز وغيرهما.. ما الرسائل التي يريد صناع الدراما وبرامج التوك شو أو حتى برامج المقالب والتسالى أن يقدموها للناس في شهر الصيام..
أليست الأمة في مرحلة استضعاف وتشتت وتمزق تصارع للبقاء في عالم لا يعترف إلا بالأقوياء، وعلى حدودها دولة محتلة تتربص بهم الدوائر وترتكب ليل نهار جرائم إبادة وتجويع وحصار بحق شعب أعزل كل ذنبه أنه يقاوم احتلالا بربريا ارتكب مجازر وحشية غير مسبوقة.. في ظل صمت دولى وعربي مهين؟!
مثل هذه التساؤلات تقودنا لأسئلة أخرى أكثر واقعية: هل هذه هى مصر كما تصورها الأعمال الدرامية والفنية وبرامج التوك شو.. وهي أعمال لو تعلمون أساءت ولا تزال لصورة مصر الدولة والشعب والتاريخ.. ما زلنا نسأل، وفي الحلق غُصة: أين الدولة.. وكيف سكتت عن دراما تضرب أعز ما نملك، وتدمر عقول أبنائها، وروحهم المعنوية، وتحض –بقصد أو دون قصد- على الرذيلة والعنف وسييء الأخلاق؟!
أكرموا رمضان
أما الإعلانات فهى تحمل رسائل ومضامين أكثر استفزازًا لمشاعر الفقراء وما أكثرهم هذه الأيام التي تشهد موجات تضخم وغلاء غير مسبوقة وتفوق قدرة كثير من الناس؛ وبدلًا من مواساتهم ومد يد العون إليهم، تقدم لهم الشاشات إعلانات لشقق بملايين الجنيهات تعجز الأغلبية العظمى عن دفع قسط واحد فيها.. فلمن هذه الإعلانات، ولماذا الإصرار على تقديمها بكثافة في شهر كريم يحض على التكافل والمواساة وليس الاستفزاز وإشعال الغضب وإثارة الأحقاد الاجتماعية!
وعلى النقيض من ذلك تصدمك إعلانات الشحاتة والتبرعات والزج بالأطفال المرضى لكسب تعاطف المتبرعين.. فما محصلة هذا التناقض الصارخ لدى عوام الناس الذين يكادون يحصلون على قوت يومهم بشق الأنفس.
كنا نتمنى أن نجد مسلسلًا اجتماعيًا هادفًا يعيد بناء القيم ويعلى قيمة العلم والعمل وجبر الخواطر ونظافة اليد والعفة والشفافية والعطاء بلا انتظار شكر أو جزاء من أحد.. مسلسلا يعيد التذكير بصلة الأرحام والتكافل وخصوصًا في مثل هذه الأوقات الصعبة.
كنا نرجو لو تبنى صناع الدراما إنتاج مسلسل دينى يعيد للأمة ذاكرة الانتصارات في شهر الانتصارات، يذكرنا بأن غزوة بدر كانت في رمضان، والانتصار في عين جالوت كان في رمضان ونصر السادس من أكتوبر والعبور العظيم كان في العاشر من رمضان لتعلم الأجيال الجديدة أن رمضان شهر العبادة والزهد وتربية النفس وتهذيب الغرائز والانتصار على الشهوات والأعداء وليس شهر السهر والإسراف في ملذات الحياة من طعام وشراب وكل ما تطاله الأيدى..
هذا هو ما تحتاجه أمتنا من الدراما ومن الإعلام.. وليس ما نراه من سفه وتهافت وانحطاط يجد صداه في أخلاق منحطة وألفاظ بذيئة لا يتورع جيل اليوم عن ترديدها في الشارع.. أكرموا رمضان بعمل يليق بروح الصيام والقيام والطاعات.. فكل ساعة فيه من ليل أو نهار لن تعوض.. اللهم أصلح حال أمتنا وحال إعلامنا وشاشاتنا.. اللهم آمين!