مصطفى أمين وآنا جارفيس.. حكاية تستحق أن تُروى (1)
هل يكفى الأم أن نحتفى بها يومًا واحدًا في العام.. هل يوفيها حقها أن نكتفى بهدية أو تهنئة في يوم عيد الأم ثم ينساها البعض طيلة العام.. أم أن فضلها أعظم ومكانتها أعز وأكرم؛ والإحسان إليها والبر بها أوجب الواجبات على الأبناء في كل لحظة؛ عرفانًا بصنيعها الذي جعل الله جزاءه الجنة "الجنة تحت أقدام الأمهات".
وإذا لم يكن من الاحتفال بعيد الأم بدٌ؛ فتكريس مثل هذا اليوم في مصر له قصة تستحق أن تُروى؛ والفضل للأخوين مصطفى وعلى أمين، مؤسسى صحيفة أخبار اليوم، صاحبي تلك الفكرة؛ حين قامت إحدى الأمهات بزيارة الأول في مكتبه، وقالت له إنها ترمَّلت وأولادها صغار، ولم تتزوج، وأوقفت حياتها عليهم، حتى تخرجوا في الجامعة، وتزوجوا، واستقل كل واحد منهم بحياته، ولم يعودوا يزورونها إلا على فترات متباعدة..
فما كان من مصطفى أمين إلا أن اقترح في عموده الشهير«فكرة» تخصيص يوم للأم وكذلك فعل على أمين، ووافق أغلبية القراء على الفكرة وشاركوا في اختيار يوم 21 مارس الذي يوافق أول أيام عيد الربيع ليكون عيدًا للأم يحتفل به كل عام، واحتفلت مصر بأول عيد أم يوم 21 مارس 1956 ومن مصر خرجت الفكرة إلى البلاد العربية.
عيد الأم عالميا
أما عالميًا فإن صاحبة الفضل في تكريس تلك الفكرة هي الأمريكية آنا جارفيس، وكانت شديدة الارتباط بأمها التي كانت تحلم بتكريم كل الأمهات؛ ولتحقيق حلمها تبنت ابنتها "آنا" حملة واسعة شملت رجال الأعمال والوزراء ورجال الكونجرس، لإعلان يوم عيد الأم عطلة رسمية بأمريكا..
وظلت آنا جارفيس تعزز هذا الطلب حتى جعل الرئيس ويلسون هذا العيد عيدًا رسميًا وطنيًا، وبالفعل جرى تكريم الآنسة آنا جارفس في جرافتون غرب فرجينيا وفلادلفيا وبنسلفانيا في 10 مايو 1908، وكانت هذه بداية الاحتفال بعيد الأم في أمريكا، ومع قدوم عام 1911 كانت كل الولايات المتحدة تحتفل بهذا اليوم، ووافق الكونجرس الأمريكى رسميًّا على الإعلان عن الاحتفال بيوم الأم، في 10 مايو.
تكريم الأمهات وتربية الأبناء
تكريم الأمهات واجب، والبر بهن أوجب، بل فريضة من يتخلف عنها يضع نفسه موضع الجحود والعقوق.. وشتان الفارق بين أمهات اليوم عن أمهات الأمس..
وربما تسبب انشغال أمهات اليوم بالسوشيال ميديا وشواغل الحياة في إهمال تربية الأبناء على نحو صحيح يبنى جيل من الأبناء البررة، وخلق جيلًا من الأبناء الذين لا يبالون بمكانة الأم ولا يصرفون جهدهم لإرضائها والتودد إليها رغبة في تحصيل ثواب البر بها والإحسان إليها عملًا بقول الله تعالى: "وقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا"[ الإسراء: 23].
وربما يطرح ذلك سؤالًا مهمًا: هل الأبناء الذين لا يحسنون لوالديهم خصوصًا في سن كبيرة، هم في الأصل نتاج التربية الخاطئة؟! وللحديث بقية.