عاطف صدقي النموذج الإصلاحى الذي نحتاجه!
عايشت عن قرب بحكم عملى الصحفى حكومات كثيرة وأشهد أن أفضلها أداء خصوصًا في الاقتصاد، هي حكومة الدكتور عاطف صدقى أفضل رئيس وزراء تولى الحكومة فى مصر، ذلك أنه كان اقتصاديًا من طراز فريد بحكم دراسته التي حصل بمقتضاها على دكتوراه في العلوم المالية والاقتصادية من جامعة باريس عام 1958..
تولى الدكتور عاطف صدقى رئاسة الحكومة 10 سنوات، قاد خلالها عملية الإصلاح الاقتصادي في مصر بنجاح، ونجح في تحقيق أمرين أولهما عدم تحميل المواطن أعباء الإصلاح الاقتصادى كما يتحملها مواطن اليوم، كما حقق إصلاحًا اقتصاديا حقيقيًا ونموًا حقيقيًا بمجموعة اقتصادية متخصصة على فهم ودراية واحترافية كبيرة.. ولم يكن مستغربًا أن يحصل في نهاية المطاف على وسام الجمهورية تقديرا لإنجازاته في الوزارة.
عاطف صدقي اتسم أداؤه بالهدوء الشديد رغم أنه تولى أصعب عمليات الإصلاح الاقتصادي خلال فترة من أصعب الظروف التي مرت بها مصر؛ حتى نجح في العبور بها من الاشتراكية إلى الخصخصة بمعناها الإيجابي وليس بالمعنى السلبي الذي حدث في عهد عاطف عبيد.
وبلا مبالغة.. نجح عاطف صدقي في تأسيس الدولة اقتصاديا واجتماعيا وكان رجلا هادئا لا يتحدث كثيرا وتبنى توجهات ناجحة وتدريجية من أجل تبسيط الإجراءات الإدارية، والحد من البيروقراطية، وتحرير التجارة وتعامل بسعة أفق وسعة صدر مع الصحافة والإعلام وتحمل نقدًا لاذعا ربما لا يتحمله أو يطيقه أي مسئول في الحكومة اليوم.
أما ثاني أفضل رئيس وزراء في رأيي فهو دكتور أحمد نظيف.. ورغم أنه لم يكن متخصصًا في الاقتصاد لكنه استعان بمجموعة اقتصادية محترفة، لم تتورط في قروض من صندوق النقد الذي يملي شروطًا قاسية يدفع ثمنها المواطن الغلبان، وتتحمل موازنة الدولة أعباء لا طاقة لها بها.
حكومة أحمد نظيف تمكنت من تحقيق أعلى معدلات نمو شهدته البلاد وصلت إلى 7.5%، بفضل مجموعة اقتصادية أكد أغلب المراقبين وقتها أنها من أفضل الكفاءات التي تولت مناصب وزارية اقتصادية في الحكومات المتعاقبة.
حكومة جباية
أما حكومة مدبولى فشعارها رفع الأسعار بلا توقف؛ مع تعويم الجنيه الذي تسبب في موجات تضخم وإضعاف القدرات الشرائية للمواطن بلا مبرر.. ويبدو أنها تأبي أن تترك موقعها بأثر طيب في نفس المواطن؛ فقد أقدمت على رفع أسعار المحروقات وخاصة السولار الذي سيحدث قفزة جديدة في أسعار المواصلات والسلع بشتى أنواعها.. ويخلق موجات تضخم أخرى ترهق المواطن البسيط..
وقد سبقه بإجراءات تعويم الجنيه ورفع الفائدة الذي سيتسبب في زيادة عجز الموازنة الذي طالب صندوق النقد بخفضها فلم تجد حكومة مدبولى إلا جيب المواطن، ولم تكتف برفع أسعار الخدمات من نقل واتصالات وسلع قبل شهرين، حتى رفعت سعر البنزين والسولار في خطوة ستزيد الأعباء على المواطن البسيط.. وكنا نتمنى لو تريثت في هذا الإجراء حتى يلتقط الناس أنفاسهم بعد التعويم الجديد الذي تسبب في موجة تضخم سيتحمل الجميع تبعاتها المريرة.
كنا نتمنى لو تركز حكومة مدبولى على زيادة الإنتاجية وتحسين الأداء الاقتصادي بصورة فعلية لا أن تكون الجباية شغلها الشاغل حتى لا تكلف نفسها عبء التفكير خارج الصندوق!
الناس تترقب تغيير الوزارة وإسناد حقيبة الاقتصاد لمجموعة تحترف العمل الاقتصادي عن علم وخبرة وسيرة ذاتية تشهد بالنجاح، مجموعة تؤمن بأنها جاءت لتعمل في خدمة المواطن لا في إرهاقه وتحميله كل العبء بينما هي لا تكلف نفسها مشقة ترشيد الإنفاق ولا تقليل الاقتراض أو حتى تقليل أسطول السيارات الذي يخدم الوزراء في بلد أثقلته الديون وأتعبته قرارات الجباية!