الاحتفال بالأم ليس بدعة
الاحتفال بعيد الأم ليس بدعة كما يدعي أصحاب العقول الغلف والفهم الخاطئ، وإن كان قولهم إنه أمر مستحدث لم يكن في زمن رسول الله والصحابة فهو حقيقة، أقول لهم: إنها بدعة حسنة يؤجر عليها صاحبها بأجر كل من أخذ بها، لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها دون أن ينتقص من أجورهم شيئا".
هذا والمقصود بالبدعة المنهي عنها والتي هي ضلالة تدخل صاحبها النار، هي المخالفة لشرع الله تعالى ورسوله والتي فيها خرق ومخالفة لأصل من أصول الدين، هذا ولقد كرم الإسلام الوالدين بصفة عامة حيث يقول تعالى: "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا".
وللأسف لم يكن للأم تكريم خاص، فهي أحق الناس بالصحبة كما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكررها ثلاث، وأوجب الله تعالى الإحسان إليها وبرها والإقرار بفضلها في كل وقت حتى بعد وفاتها.
وصية الرحمن
الأم هي أسمى رمز للعطاء والبذل والإيثار والتضحية. الأم هي مصدر العطف والحنان، وهي الحصن الحصين للأبناء وهي أحق الناس بالصحبة والوفاء والإحسان. الأم هي الحاضنة المعطائة دون انتظار مقابل. الأم التي عانت في حملها وولادتها "حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلى وَهْنٍ"، وهي التي ربت وسهرت وكم تعبت وعانت وتألمت دون شكوى.
الأم التي تكمن سعادتها في سعادة الأبناء تفرح لفرحهم وتتألم لألمهم وتحمل همومهم. الأم هي الحضن الدافئ الآمن. وهي الملاذ عند الضعف والإحساس بالخوف والجزع. الأم هي التي جعل الله تعالى الجنة تحت قدميها. وجعل سبحانه رضاها من رضاه. وجعل سبحانه برها والإحسان إليها مكمن سر السعادة في الدنيا والآخرة. يا بركة دعاها ورضاها. السعيد من أبرها وكان بها حفيا وأدخل على قلبها الفرحة والسعادة. والشقي من أساء إليها وأحزن قلبها.
الأم وصية الرحمن في كتابه الكريم ونبيه صلى الله عليه وسلم في هدية القويم. هذا وللأمومة مظاهر عديدة وصور متعددة. وفي بعض معاني الأمومة نجد أن للأجساد أمومة وهي الأرض، فهي الأم التي أخرجنا الله تعالى من رحمها ومنها خلقنا سبحانه وتعالى، يقول تعالى: "مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ".
ومن هنا يجب على العاقل أن يتواضع وهو يخطو فوق ظهر أمه ولا يتعالى ولا يتجبر ولا يفسد حتى تحنو عليه وتحتضنه برفق عند عودته إلى بطنها بعد مماته.. هذا والإسلام كمنهج بما حواه من قيم إنسانية نبيلة ومكارم وفضائل ومحاسن نجد أنه منهج أمومة احتضن به الحق سبحانه وتعالى عباده وخلقه، وتأكيدًا لذلك عندما ننظر إلى كلمة الإسلام نجد أول حرف منها "الألف" وآخر حرف "الميم" وهما الحرفان اللذان يشيران إلى كلمة أم الألف والميم البداية والنهاية.
ونجد أيضًا أن للأرواح أمًا وهي الأصل فيها ومصدرها وهي تلك النفخة الربانية المنسوبة إلى الله تعالى، يقول عز وجل: "وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي".. وعندما نتطلع إلى أقدس وأجل معنى للأمومة في الكون والوجود والحياة نجده في لفظ الجلالة وهو الإسم العلم على الذات الإلهية "الله"، وأول حرف منه حرف الألف والإسم الذي يشير إلى رحمة الله للعالمين هو "محمد"، وأول حرف منه الميم، أى أن الألف من الله، والميم من محمد، أم، فهما موطن الأمومة الحاضنة لعوالم الوجود والخلق.
الإله الخالق الذي كتب على نفسه الرحمة ونبي الرحمة المرسل من الله رحمة للعالمين. رحم الله أمهاتنا اللائي رحلن عن دنيانا. وبارك في الأحياء منهن.