رئيس التحرير
عصام كامل

كوكب الشرق.. الحاضر الغائب

لم تكن أم كلثوم مجرد مطربة عذبة الصوت بل كانت حالة إبداع بطعم الخلود في وجدان الشعوب لا تزال الحاضر الغائب رغم مرور 49 عامًا على رحيلها.. ستظل نموذجًا فذًا لن يتكرر.. أغانيها لا تزال  تناسب اليوم وغدا.. الكل يحاول  تقليدها.. لكن لا يفلح أحد في ملء فراغ فنانة مثقفة أبدعت وتفانت في حب وطنها حتى تركت بصماتها في الغناء والسياسة والوطنية والوعي بدرجة لم يسبقها وربما لا يلحق بها أحد!


في مثل هذه الأيام  قبل عام اختارتها مجلة رولينج ستون الأمريكية ضمن أعظم 200 مغن ومغنية عبر التاريخ قائلةً: “إن هذه القائمة لأعظم المطربين وليس أعظم الأصوات”، وجاء اختيار أم كلثوم وفقًا لمعيار القدرة على التأثير والتراث الموسيقى؛ ذلك أنها واحدة من المغنيات اللاتى ليس لهن مثيل حقيقي بين المطربين في الغرب لعقود من الزمان.. 

 

وهى إلى حد كبير روح العالم العربي، ولا يمكن طمس النوع الغنائى الخاص بها، حيث تمتلك القدرة على التنقل عاطفيًا بطريقة مذهلة في أغان معقدة تستمر بسهولة لساعات، كما يمكنها التنقل بين الموضوعات المزخرفة، بسهولة، حيث كانت تقوم بالغناء أمام الحشود وتظهر كـ شعلة النار؛ وهو ما يعكس في قدرتها العبقرية على إشعال حماس الجماهير العريضة التي كانت تتابعها مباشرة في الحفلات أو أمام المذياع.


هكذا هي كوكب الشرق والغرب.. عاشت للخلود وتركت تراثًا فنيًا وإنسانيًا لا ينسى؛ كما تركت تأثيرًا كبيرًا في وجدان العرب من المحيط إلى الخليج.. أما عن تأثيرها السياسي فلم يكن أقل من تأثيرها الفنى، فقد التقت الرئيس عبدالناصر الذي أرادها أن تكون صوتًا لاستنهاض الهمم بعد نكسة يونيو.. 

 

وكانت عند حسن الظن بها، فقد جابت العالم شرقًا وغربًا، وأبدعت وصدحت بالغناء، وتبرعت بأجرها لصالح المجهود الحربي، ونجحت بالفعل في صنع الفارق وتمهيد الوجدان العام للمقاومة والاستبسال والتحلى بالأمل والعمل حتى تحقق العبور العظيم.


ترى هل لو كانت أم كلثوم بيننا اليوم: هل كانت ستغنى لأهل غزة المحاصرين، لاستنهاض همم العرب المتخاذلين، وهل لو كانت موجودة بيننا اليوم.. هل كنا سنسمع عن مطربي المهرجانات والخبط والرزع والإسفاف الذين  تسببوا في إفساد الذوق العام الذي هو جريمة مكتملة الأركان في حق الشعوب والأوطان؛ فهو إن حدث يخلق أجيالا قابلة لمعاداة وطنها وإسقاطه من داخله دون أن يطلق أعداؤه رصاصة واحدة..

 

وإذا لم يكن الفن هادفًا وقادرًا على تغيير واقع سيىء للأفضل فلا خير فيه بل لا يصح اعتباره فنًا من الأساس فهو سلاح مدمر يستهدف ضرب الدولة في أعز ما تملك؛ ثروتها البشرية التي هي أهم مقومات بقائها واستقرارها..تحية لكوكب الشرق والغرب في ذكراها التاسعة والأربعين..

 

 

فما زالت الأجيال التي لم تعاصرها تدندن بأغانيها الخالدة سواء الوطنية أو الدينية أو العاطفية التي لا تزال خالدة في الأسماع والذاكرة الجمعية.. فهل يمكن أن تتكرر أم كلثوم.. وهل تعلمت الأجيال الحالية من المطربين شيئًا من سيرتها الذاتية الحافلة بمحطات النجاح والإبداع.. رحم الله أم كلثوم التي لو كانت حاضرة بيننا اليوم.. لعبرت أغانيها عن حالنا الذي وصلنا إليه؟!

الجريدة الرسمية