ليس بالتبرعات ولا بالقروض وحدها تنهض الاقتصادات!
حسنًا ما فعله الفنان أحمد سعد حين تبرع بخمسين ألف دولار لدعم اقتصاد مصر، وليت كبار الفنانين ولاعبي الكرة ورجال الأعمال والأثرياء يحذون حذوه؛ فمصر في حاجة حقيقية لكل دعم يساعدها على تجاوز الصعوبات والتحديات الاقتصادية وهي كثيرة وكثيرة جدًا..
فالتبرع من القادرين هو أقل ما يمكنهم تقديمه لبلد له فضل على كل من يعيش فيه، كما أن للمال وظيفة اجتماعية في أعتى البلاد الرأسمالية لكنها فريضة تبدو غائبة عندنا، ولكم في أغنى أغنياء العالم مثل بيل جيتس ومارك زوكر بيرج اللذين تبرعا بأكثر من نصف ثرواتهما وهم أحياء لصالح أعمال الخير والبر أسوة حسنة.. وفي القرآن دعوة للإنفاق بقوله تعالى:"وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ".
ونظرًا لما تمر به بلادنا من ظروف اقتصادية صعبة، بعضها مستورد وبعضها من صنع أنفسنا فإن للبلد على أهلها حقوقًا تقتضى من القادرين المساهمة في تجاوزها؛ ولا يخفى أن ثمة تراجعًا في دخل قناة السويس بسبب ما يجرى من استهداف للسفن في البحر الأحمر، وتراجع ليس في أرقام الصادرات بل في قيمتها الدولارية نظرًا لتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار..
حكومة اقتصادية
وثمة انخفاض في تحويلات المصريين بالخارج لأسباب يطول شرحها، وتلك أهم موارد النقد الأجنبي مع السياحة التي ليست في أحسن أحوالها بسبب ما يجرى في منطقتنا المنكوبة بالحروب والصراعات التي تنذر إذا استمرت بحرب إقليمية واسعة تعمق الأزمات وتزيد من تكاليف الشحن وغلاء أسعار السلع.
و يبقى السؤال: هل تغنى التبرعات والقروض والمساعدات مهما تكن أرقامها، في دوام الانتعاشة الاقتصادية، أم أننا بعد نفادها في وجوه الإنفاق وما أكثرها ستعود ريما لعادتها القديمة لتلبية احتياجات أكثر من مائة مليون نسمة هم تعداد سكان مصر..
ناهيك عن ضيوفها من الشعوب العربية وأعدادهم تقترب من العشرة ملايين نسمة يستهلكون احتياجاتهم مثلنا وبنفس الأسعار والمعاملة تقريبًا.. ناهيك عن السفارات الأجنبية التي تشتري البنزين والوقود من محطات الوقود بنفس الأسعار التي يدفعها المصريون أيضًا بلا تفرقة..
كل هذه الأعباء هل يكفى لإشباعها مواردنا التقليدية بأفكارنا الموروثة في إدارة الاقتصاد منذ قديم الأزل.. أم أننا في حاجة لفكر اقتصادى مختلف وحكومة اقتصادية تخرج بأجندة عمل محددة من أول يوم تتولى فيه المسئولية لتقول لنا بوضوح، ما برنامجها الإصلاحي، وكم سيستغرق تنفيذه من الوقت، وما مستهدفاتها الحقيقية للوصول لتنمية حقيقية..
وكيف نسيطر على انفلات الدولار والأسعار، وكيفية تحقيق الاكتفاء الذاتي في الإنتاج الزراعي والصناعي في المدى القريب، والوصول للصادرات بأرقام تجبر العجز في الميزان التجاري لصالح مصر!
ما أحوجنا لتغيير حقيقي يلمسه الناس في حياتهم اليومية منذ اللحظة الأولى للإعلان عنه، تغيير لا يكتفى باستبدال أشخاص الوزراء بآخرين بل في تغيير السياسة الاقتصادية والنقدية، اعتمادًا على أهل الخبرة والكفاءة وليس أهل الثقة والحظوة وشتان بين الفريقين.
لا يجوز لنا أن نسير الخطوات نفسها ثم ننتظر نتائج مختلفة، ولا يجوز لنا أن نفرض التبرع على أحد على طريقة عبد السند يمامة باقتطاع 20% من دخل المصريين بالخارج، فذلك لن يحل المشكلة بل ربما زادها تعقيدًا، وربما أساء للعلاقة بين الدولة وأبنائها المهاجرين الذين لا يدخرون وسعًا في مد يد العون لأهلهم هنا.
صدقوني نحن لسنا في حاجة لاختراع العجلة، فقوة الاقتصاد طريقها معروف والخروج من عنق الزجاجة ليس اختراعًا بل ثمة تجارب ملهمة تحتاج منا لدراستها للاستفادة منها وليست تجربة لولا دى سيلفا البرازيل ولا تجربة مهاتير محمد ماليزيا ولا كوريا الجنوبية عنا ببعيد.. والخلاصة “ادوا العيش لخبازينه”.. كما يقول المثل العامي الفصيح!!