لله رجال

سألني أحد المريدين قائلا: هل ولاية الله عز وجل قاصرة على الرجال دون النساء؟ فأجبته: اعلم أن باب الولاية مفتوح لكل المؤمنين رجال ونساء. انظر إلى قوله تعالى "أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ".. 

وانظر إلى لفظ الإشارة وهو كلمة الذين فهو لفظ إشارة يشير إلى الجمع. والجمع هنا لأهل الإيمان والتقوى من الرجال والنساء. وانظر إلى قوله تعالى "إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا".

وانظر إلى قوله جل وعلا "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ". وانظر إلى قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: "النساء شقائق الرجال لهن ما لهم وعليهن ما عليهم".. هنا استوقفني قائلا: وماذا  عن قول الله تعالى "مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا". وقوله تعالى "فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا".. 

وقوله عز وجل "رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ". وقوله جل ثناؤه "وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ". هنا نجد الإشارة إلى الرجال فماذا عن هذه الآيات؟ فأجبته قائلا: أن كلمة رجال التي ذكرت في الآيات التي ذكرتها ليس المعنى فيها قاصر على نوع من أنواع الجنس البشري وهم الذكور دون الإناث. 

فكلمة رجال تشير إلى كل من ترجل لله تعالى من أهل الإيمان. بمعني كل صاحب همة في طاعته سبحانه والإقبال عليه ذكرا كان أو أنثى. رجل كان أو امرأة. واعلم أن هناك من النساء من صدقن في حالهن مع الله عز وجل وأقبلن على الله تعالى بهمة تفوق همم الرجال حتى بلغن من مراتب الولاية ما لم يبلغه الكثير من الرجال. 

شعوانة العابدة الزاهدة

مثل السيدة نفيسة التي نٌعتت بسيدة أهل العلم والتصريف، والتي كان يتردد على مجلسها الإمامين الشافعي والليثي رضي الله عنها لطلب المزيد من العلم. ومنهن السيدة شعوانة العابدة الزاهدة التقية النحاءة البكاءة الذاكرة المتبتلة والتي حَدًث عنها  يحيى بن بسطام قائلا: 

كنت أشهد مجلس شعوانة -وهي إحدى العابدات- فكنت أرى ما تصنع من النياحة والبكاء، فقلت لصاحب لها: لو أتيناها إذا خلت فأمرناها بالرفق بنفسها، فقال: أنت وذاك، قال: فأتيناها فقلت لها: لو رفقت بنفسك وأقصرت عن هذا البكاء شيئًا، فكان لك أقوى على ما تريدين، قال: فبكت، ثم قالت: والله لوددت أنى أبكي حتى تنفد دموعي، ثم أبكي دمًا حتى لا تبقى قطرة من دم في جارحة من جوارحي، وأنى لي بالبكاء؟! وأنى لي بالبكاء؟! فلم تزل تردد: وأنى لي بالبكاء؟ حتى غشي عليها.

وكانت تقول في دعائها: إلهي! ما أشوقني إلى لقائك، وأعظم رجائي في جزائك، فأنت الكريم الذي لا يخيب إليك أمل الآملين، ولا يبطل عندك شوق المشتاقين، إلهي! إن كان دنا أجلي ولم يقربني منك عملي فقد جعلت الاعتراف بالذنب وسائل عللي، فإن عفوت فمن أولى منك بذلك؟! وإن عدلت فمن أعدل منك هنالك؟! 

إلهي! قد جرت على نفسي في النظر لها، وبقي لها حسن نظرك، فالويل لها إن لم تسعدها، إلهي! إنك لم تزل بي برًا أيام حياتي، فلا تقطع عني برك بعد مماتي، ولقد رجوت ممن تولاني في حياتي بإحسانه أن يسعفني عند مماتي بغفرانه..

الحب سر الله في الوجود

فضل الله وجحود البشر

إلهي! كيف أيأس من حسن نظرك بعد مماتي، ولم تولني إلا الجميل في حياتي؟! إلهي! إن كانت ذنوبي قد أخافتني فإن محبتي لك قد أجارتني، فتول من أمري ما أنت أهله، وعد بفضلك على من غره جهله، إلهي! لو أردت إهانتي لما هديتني، ولو أردت فضيحتي لم تسترني، فمتعني بما له هديتني، وأدم لي ما به سترتني..