حديث قلب
جرائم الاتجار بالبشر في رسالة دكتوراه مها كامل
اتسمت منذ تخرجها من كلية الشرطة، وحتى وصولها إلى منصب لواء بالحس الأمني العالي، والمسئولية المجتمعية، والحزم وقوة الشخصية، وسرعة اتخاذ القرار، واتقان أكثر من لغة أجنبية، وفوق كل ذلك هي إنسانة بمعني الكلمة كما عرفتها.. ودودة.. عقلانية.. تسارع في خدمة الصغير قبل الكبير، فأحبها الجميع رؤساء ومرءوسين، وتقلدت مواقع هامة في وزارة الداخلية.
إنها اللواء الدكتورة مها كامل عبد الستار، وكان موضوع رسالتها في الدكتوراه: المسئولية الجنائية عن الاتجار بالبشر في القانون المصري والمقارن بإشراف الدكتور فتوح عبد الله الشاذلي أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية.
يخطئ من يظن أن ظاهرة الرق والعبودية قد اندثرت، بل انتقل مفهوم الرق من ممارسة الملكية على الشخص إلى استغلاله بكل ما يمثله الاستغلال من صور وأشكال جديدة لجريمة الاتجار بالبشر، منها على سبيل المثال الاتجار بالنساء والأطفال، وخاصة أطفال الشوارع لأغراض غير أخلاقية والاستغلال التجاري.
وعمالة السخرة، وبيع الأطفال لأغراض التبني، والزواج القسري، واستغلال الأطفال في النزاعات المسلحة، والاستغلال السيء للمهاجرين بصفة غير شرعية، تلك الأفعال التي يمارسها أفراد أو عصابات الجريمة المنظمة، تعتبر تعديا على حقوق الإنسان وتحط من كرامته التي يحميها القانون.
لهذا جاءت دراسة دكتوراه الباحثة اللواء مها كامل عبد الستار، لمناقشة قدرة الضمانات القانونية على حماية مبادئ القانون الجنائي وقواعده، وبيان مدى ملائمة التشريعات الوطنية وخاصة المصرية والاتفاقات الدولية لمواجهة هذه الجريمة باعتبارها أحد الأشكال المستخدمة التي أفرزها الإجرام المنظم الذي بات يهدد استقرار المجتمعات قاطبة، وأصبح لا توجد منطقة جغرافية من العالم بمأمن من جريمة الاتجار بالبشر وتداعياتها التي تؤثر علي سيادة القانون!
الأخلاق وحقوق الإنسان
ومع ذلك تكاد المكتبات تفتقر إلي البحوث العلمية الدقيقة والشاملة في هذا الموضوع، وذلك لتشعب مكوناته، وهلامية الحدود بين هذه المكونات وعناصر موضوعات أخرى ذات صلة به، فضلا عن أن هذه المكونات لا زالت تثير جدلا بين أهل الاختصاص، خاصة فيما يتعلق بحق الإنسان في الرضا عن استغلاله والاتجار به، ومدى مسئوليته عن ذلك!
ولذلك لم يكن غريبا علي الدكتورة مها كامل عبد الستار أن ترد على هذه المهاترات في الصفحة الثانية من رسالتها الجديدة من نوعها والتي تقع في 350 صفحة من القطع الكبير، بأن الأخلاق أساس قيام المجتمعات الحضارية وبدونها ينتفي عنها الحضارة، ولذا لا يمكن وجود مجتمع حضاري متطور إلا إذا سادت فيه القيم السوية بين أبنائه.
خاصة فيما يتعلق بحماية حقوق أفراده ورعايتهم فيما يتعرضون له من مشاكل جسيمة، ولهذا أصبحت التحديات التي تواجه القانون الجنائي والدولي الإنساني كبيرة، والانتهاكات لأحكامها كثيرة، ومنها ظاهرة الاتجار بالبشر، وما يمكن أن يترتب عليها من نتائج وآثار سلبية على كافة المستويات الشخصية والأمنية والاقتصادية وغيرها من المستويات، خاصة التي لها علاقة بحقوق الإنسان وكرامته!
ورغم أن اللواء دكتور مها كامل قد ألقت الضوء على سياسة التجريم والعقاب وقوانين مكافحة ومعاقبة الاتجار بالبشر، وما قد يعتريها من خلل يضعف فاعليتها في تحقيق العدالة الجنائية والردع العام والخاص، إلا أنه يجب الأخذ باقتراحها بضرورة إجراء التعديلات اللازمة على قانون مكافحة الإتجار بالبشر المصري رقم 64 لسنة 2010 ليتوافق مع المعايير الدولية!