فوق عظماء التاريخ!
أهم ما ينبغى لنا أن نفعله ونحن نحتفل بذكرى ميلاد الرسول الكريم هو استحضار جوانب عظمته الشاملة التي جمعت بين الدين والدنيا، فلم تكن دعوته إغراقًا في الرهبنة ومخاصمة العصر، ولا مغالاة في المادية وطلب مصالح وملذات الدنيا، بل كانت دعوة وسطًا؛ "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا"..
يقول نبينا الكريم:"أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".
هذا هو جوهر الرسالة: اعتدال ووسطية وسعى دءوب لمرضاة الله وعمارة الأرض.. ولنا أن نفخر بعظمة هذا النبى الذي شهد له الخصوم قبل الأتباع..
يقول المستشرق سنرستن الآسوجي أستاذ اللغات الساميّة:"إننا لم ننصف محمدًا إذا أنكرنا ما هو عليه من عظيم الصفات وحميد المزايا، فلقد خاض محمد معركة الحياة الصحيحة في وجه الجهل والهمجية، مصرًا على مبدئه، وما زال يحارب الطغاة حتى انتهى به المطاف إلى النصر المبين، فأصبحت شريعته أكمل الشرائع، وهو فوق عظماء التاريخ".
النور المحمدى
أما مايكل هارت فيقول: "إن اختياري محمدًا، ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ، قد يدهش القراء، ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين: الديني والدنيوي. فهناك رُسل وأنبياء وحكماء بدءوا رسالات عظيمة، ولكنهم ماتوا دون إتمامها، كالمسيح في المسيحية، أو شاركهم فيها غيرهم، أو سبقهم إليهم سواهم، كموسى في اليهودية..
ولكن محمدًا هو الوحيد الذي أتم رسالته الدينية، وتحددت أحكامها، وآمنت بها شعوب بأسرها في حياته. ولأنه أقام جانب الدين دولة جديدة، فإنه في هذا المجال الدنيوي أيضًا، وحّد القبائل في شعـب، والشعوب في أمة، ووضع لها كل أسس حياتها، ورسم أمور دنياها، ووضعها في موضع الانطلاق إلى العالم. أيضًا في حياته، فهو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية، وأتمها".
كمال الرسالة المحمدية أكده القرآن الكريم بقوله:" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3]. أما فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر فيلخص فضل تلك الرسالة على العالم بقوله: "ظهر النور المحمدي والعالم الإنساني يعاني من الأمراض والعلل والأوبئة النفسية والاجتماعية والخلقية، وسرعان ما أعاد هذا الوليد اليتيم الذي شب وترعرع في صحراء العرب..
بعد أن اختاره الله رسولا ونبيا.. سرعان ما أعاد للعالم توازنه وحرره من قيود الجهالة وظلمات الوهم، وجبروت القوة.. وبحيث أصبح بنو الإنسانية كلهم مدينين لنبي الإسلام بالكثير حيث أنار لهم الطريق في منعطفاتها المظلمة، وحتى الإنسان الغربي يظل مدينًا، بل مثقلا بجميل لا حدود له، للحضارة العالمية التي أرسى دعائمها هذا النبي الكريم، وهو يؤصِّل لمعانى الرحمة والعدل والتعاون بين الناس، والكف عن العنف والإيذاء، وترويع الآخر أيا كان هذا الآخر..
هذه صفات وأفضال نبينا على الدنيا فهل نستحضرها في حياتنا لنعيد الوجه المشرق للرسالة العالمية التي جسدها الله تعالى بقوله: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"؟!