الفريضة الغائبة في التعامل مع الشكاوى!
حسنًا فعل مجلس الوزراء حين اهتم بشكاوى المواطنين التي يتابعها الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء بنفسه ويرصد مدى الاستجابة لها من الأجهزة الحكومية المختلفة في الوزارات والمحليات.. وهو تقليد نتمنى أن يجرى تعميمه في كل هيئة ومؤسسة ووحدة اقتصادية في الدولة.
فالاهتمام بمتاعب المواطن يعطيه شعورًا بالأمان وأن الدولة تقدره وترعى مصالحه؛ فأغلب المشكلات سببها أن المرءوسين ينقلون شكاوى الناس لرؤسائهم بصورة مغلوطة، أو يهونون منها؛ ولا يعطونها الأهمية اللائقة، ومن ثم تأتى الاستجابات ضعيفة لا تحقق الغاية المنشودة.
ولو أن في كل وحدة حكومية قسما خاصا لتلقى ومتابعة شكاوى المواطن؛ يتلقاها مكتوبة أو يسجلها عبر الهاتف ويرد عليها.. فمثل هذه المتابعة تبعث برسائل طمأنة للشارع أن أنينه مسموع وأن متاعبه محل اهتمام أولى الأمر في كل جهاز حكومي.
ذلك أن إهمال تلك الشكاوى يحدث فجوة بين المواطن وحكومته؛ مثل هذه الفجوة يجرى استغلالها في إحداث الوقيعة وغرس بذور الكراهية في نفوس أصحاب المظالم تجاه حكومتهم التي ينبغى أن تنتقى اختيار من يقومون على شكاوى الناس، لتعطيهم انطباعًا صادقًا بأن كل موظف عام إنما هو خادم للشعب يستهدف إرضاءه والسهر على راحته وتحقيق مطالبه.
دور الصحافة والإعلام
الانطباعات السائدة لدى كثيرين أن هناك انتقائية في الاستجابة لشكاوى الناس؛ حيث تأتي تلك الاستجابات بحسب قوة الموصى أو الواسطة التي تتدخل لتوصيل صوت المظلومين أو الشاكين وأصحاب الحق الضائع.
والسؤال: أين دور الصحف في توصيل شكاوى المواطن للحكومة كما كان يحدث في سنوات سابقة؛ هل تقلصت المساحات المخصصة للنشر فيها سواء في الصحف المطبوعة أو المواقع الإلكترونية.. ولماذا لا نجد فقرة في برامج التوك شو مثلًا تعرض لمتاعب الجمهور وشكاواه لتمكينه من حقوقه وإشباع احتياجاته.. لماذا لا نجد تنويعات في برامج الإعلام ليكون صوت المواطن لدى الحكومة والمسئولين؟!
أتصور أن أهم أسباب عزوف الناس عن الإعلام والصحف هو غياب الإحساس بأن تلك الوسائل الإعلامية لم تعد تعبر عن آلامهم وآمالهم ولا تعكس واقعهم وطموحاتهم ومخاوفهم وهمومهم الحقيقية.
أقول هذا مطمئنًا لما عايشته من تجربة واقعية مع الخط الساخن 139 جمهورية أو قسم الخدمات الصحفية المتميزة بجريدة الجمهورية الذي لاقى إقبالًا من الناس وتلقى آلاف الشكاوى وعمل كحلقة وصل بين الحكومة والشاكين وكان صوتًا حقيقيًا للناس الذين بادلوه الحب والتقدير وصار مدخلًا حقيقيًا لرصد نبض الشارع وزيادة توزيع الجريدة وخلق مادة صحفية متنوعة بين التحقيقات والحوادث والتقارير والشكاوى التي يجد المواطن ذاته فيها بصورة أو بأخرى.
لكن تراجعت فعالية هذه الخدمة الصحفية التي كانت في قمة التميز للأسف لأسباب غير مبررة وغير مفهومة؛ فالحركة بطيئة وربما منعدمة وهو ما يحتاج لصحوة تعيد الروح لهذه الخدمة المتفردة.
الاهتمام بشكاوى الناس يحقق أكثر من فائدة؛ فهو يفتح باب الأمل ويردم الفجوة بين الحكومة والمواطن، ويحقق العدالة الاجتماعية والتمكين الاقتصادي للفئات الأكثر احتياجًا التي لا ظهر لها إلا الدولة التي ترعى كل مواطنيها وتحقق لهم تكافؤ الفرص وتبحث عن راحتهم ورعايتهم على قدم المساواة.. ليتنا نضاعف جرعات الاهتمام والاستجابة لشكاوى الناس!