الفن وسنينه
مسلسل سفاح الجيزة عندما يكون لصناع الفن أهداف أخرى؟
لاشك أن الأعمال الفنية سواء الأفلام أو المسلسلات أو المسرحيات، التي تتناول قصص السفاحين وعتاة المجرمين تجذب عموم الجماهير وتحقق شهرة واسعة وانتشارًا كبيرا، كما تحصد نجاحًا فنيًا في غالبيتها لما تتسم به من تشويق وإثارة وغموض، خاصةً عندما تكون مستمدة من وقائع وحوادث حقيقية، وقد تفوز كثير من الأفلام التي من هذه النوعية بجوائز كبرى كالأوسكار أيضًا!
ويبدو هذا واضحًا وجليًا في السينما العالمية التي يتشدق صناعها وجماهيرها بأنهم لا يعشقون الأفلام الدموية ويتهمون العرب والمسلمين بأنهم دمويون وإرهابيون وقتلة! ومن أشهر الأفلام العالمية التي تعرض لقصص حقيقية لسفاحين ومجرمين من العيار الثقيل.. Psycho لهيتشكوك، Zodiac،
Silence of the Lambs المعروف بصمت الحملان وفاز بخمس جوائز أوسكارDahmer، ManHunter، Seven.
أما بالنسبة للسينما المصرية فقد كان تعاملها مع هذه النوعية من الأعمال ليس بنفس القوة والغزارة في الإنتاج مقارنةً بمثيلتها العالمية، كذلك كان التناول فيه شيء كبير من الحذر والتخفيف من قسوة الواقع مع عدم إغفال الدوافع النفسية والظروف القهرية التي دفعت مرتكبي هذه الجرائم البشعة إلى الإتيان بها.
وهو ما يعد من الأمور الإيجابية المحمودة فلا يوجد إنسان بطبعه مجرم وقاتل وسفاح! ومن أهم هذه الأفلام وأنجحها.. ريا وسكينة عن قصة السفاحتين الشهيرتين بالإسكندرية في بدايات القرن العشرين صاغها نجيب محفوظ وأخرجها صلاح أبو سيف، بطولة أنور وجدي ونجمة إبراهيم وزوزو حمدي الحكيم وإنتاج 1952، وقد حقق الفيلم نجاحًا كبيرًا فنيًا وجماهيريًا..
واللص والكلاب عن قصة مستمدة من أحداث حقيقية لمحمود سليمان الذي ارتكب عدة جرائم قتل بدافع الانتقام من زوجته ومحاميه الذين خاناه وقد عرف بالسفاح المثقف لولعه بالقراءة وسرق عدة فيلات وشقق للأثرياء منها فيلتي أم كلثوم ومها صبري. تأليف نجيب محفوظ أيضًا وبطولة شكري
سرحان وشادية وإخراج كمال الشيخ عام1962.
وقد أثارت قصة هذا السفاح جمهور القراء عندما سلطت الصحف الأضواء عليها وخلقت حالة من التعاطف الشديد معه لتعرضه للخيانة والغدر كما أنه كان أداة في يدي معلمه وصديقه المقرب الذي علمه المبدأ الميكيافيلي الشهير الغاية تبرر الوسيلة! وهو ما حدث مع بطل الفيلم أيضًا سعيد مهران أو شكري سرحان!
من ذات النوعية أيضًا من الأفلام ولكنها لم تحظ بنفس النجاح السفاح لهاني سلامة وإخراج سعد هنداوي عن قصة سفاح المهندسين أحمد المسيري الذي قتل مليونير وزوجته والخادمة وأطلق النار على حارس العقار وسيدة من الجيران وتبين أنه من أسرة ميسورة ويقتل لإشباع حاجته النفسية فقط، نتيجة نشأته في أسرة مفككة.
وهناك أيضًا بعض الأفلام التي تناولت قصصًا واقعية لسفاحين ولكن بشكل كوميدي مثل سفاح النساء لفؤاد المهندس وشويكار عن قصة سفاح كرموز بالإسكندرية، إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة، ريا وسكينة لشريهان ويونس شلبي.
سفاح الجيزة
الدراما التليفزيونية كان لها أيضًا نصيب جيد من هذه النوعية من الأعمال ولكن بدرجة أقل ولعل أكثر هذه الأعمال تكاملًا ونجاحًا واقترابًا من القصة الحقيقية هو مسلسل ريا وسكينة إنتاج العدل جروب عام 2005 وبطولة عبلة كامل وسمية الخشاب وسامي العدل ورياض الخولي عن كتاب رجال ريا وسكينة لصلاح عيسى، صاغها تليفزيونيًا مصطفى محرم وإخراج جمال عبد الحميد.
أما أحدث الأعمال التي أثارت ومازالت جدلًا واسعًا وحظيت بمتابعة الملايين في مصر والدول العربية والعالم فهو مسلسل سفاح الجيزة المستمد من قصة سفاح الجيزة قذافي فراج عبد العاطي الذي قبض عليه بالصدفة في قضية سرقة، ليتم اكتشاف أنه قاتل متسلسل قام بقتل 4 أشخاص بين 2015 إلى 2017 وحكم عليه بالإعدام 4 مرات!
كتب المسلسل محمد صلاح العزب ولعب بطولته أحمد فهمي مع باسم سمرة وركين سعد وأخرجه هادي الباجوري، ولكن رغم كل هذا الجدل وحجم المشاهدات وإجادة أحمد فهمي للدور الذي وضعه في مكانة متميزة جدًا بين النجوم حاليًا، إلا أن العمل في رأيي عابه عدم وجود فكرة أو هدف محدد أو مورال له ولم ينجح في إيجاد مبرر قوي وواضح لجرائم السفاح..
ولم يحدث تعاطفًا معه مثلما ما حدث مع بطل فيلم اللص والكلاب شكري سرحان وكان حجة السفاح وراء جرائمه أنه شاهد أمه وهي تقتل آباه! كما يؤخذ على المسلسل كذلك ضعف أخر حلقتين منه مقارنةً بالست حلقات الأولى وعدم ترابطها مع غموض مصير حبيبته وضابط المباحث ونجله!، أيضًا يلاحظ كثرة الدماء والمشاهد التي تؤذي عين المشاهد لا سيما الأطفال والمراهقين!
لماذا هذه النوعية؟
كما ذكرنا سلفًا أن مثل هذه النوعية من الأعمال التي تتحدث عن السفاحين والقتلة الدمويين الذين ارتكبوا جرائم هزت المجتمع وروعته، تلقى اهتمامًا كبيرًا من جمهور المشاهدين وتحقق للأسف نجاحًا مدويًا وهو ما يعد مؤشرًا في بعض الأوقات على اتجاهات واهتمامات الناس ولكنها ليست دليلًا على انتشار العنف والجرائم الدموية في المجتمع..
ولكن ليس معنى ذلك توجيه دعوة مجانية لصناع السينما والدراما التليفزيونية للإكثار من هذه النوعية التي باتت من أولويات صناع الفن في الولايات المتحدة وأوروبا في السنوات الأخيرة بالتحديد، بتوجيه من القائمين على المنصات ومن ورائهم؟ مثل نيتفليكس، أمازون فيديو برايم، هولو، إتش بي أو ناو، كما تروج هذه المنصات العالمية لقيم وأشياء خطيرة على مجتمعاتنا العربية مثل المثلية الجنسية وزنا المحارم والعنف غير المبرر والإلحاد وغيرها..
وهو ما وجب الحذر منه تمامًا، خاصةً مع انسياق بعض المنصات العربية وراء محاولة تقليد ما تبثه هذه المنصات دون وعي أو إدراك وهنا مكمن الخطورة! ولعل بعض الأعمال التليفزيونية الأخيرة التي عرضت على منصاتنا العربية لدليل على ذلك!
ومن ثم من الأفضل والأولى لهذه المنصات التركيز أكثر على تقديم الأعمال التي تحض على مكارم الأخلاق وتتناول سير العظماء من المبدعين والكتاب والعلماء وصناع الحضارة العربية وما أكثرهم في تاريخنا بدلًا من تناول حكايات وجرائم السفاحين الدمويين والقتلة تلك النماذج السلبية المرفوضة المكروهة التي ذهبت إلى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليها!