من يوقف الاستغلال؟! (2)
استعادة الوجه الجميل للإنسانية لن تتحقق إلا إذا تخلص كل منا من أنانيته واستغلاله للآخرين تحقيقا لمصالحه الضيقة وإشباعا لغرائزه وشهواته.. يستوى في ذلك الأطباء والمدرسون والتجار وكل من يستغل حاجة الناس.. ومن يغررون بالصغار على الفضاء الإلكتروني يستدرجونهم ثم يبتزونهم لدفعهم لتقديم تنازلات لا يرضونها أصلا لأنفسهم ولا لأولادهم..وهو ما ينبغى للآباء أن يتداركوه.
التاجر إذا رفع الأسعار بمناسبة وبغير مناسبة ومارس الغش في بضاعته وتاجر بالأزمات واستغل احتياج الناس، وأخفي السلع تمهيدًا لرفع أسعارها بصورة مبالغ فيها كما حدث مع السجائر مثلًا، ناهيك عن الممارسات الاحتكارية.. فذلك أبشع صور الاستغلال الذي قضت دار الإفتاء بتحريمه قطعيًا..
قائلة إن التجار الذين يستغلون حاجة الناس ويحتكرون السلع ويبيعونها بأسعار مبالغ فيها آثمون شرعًا؛ لما يترتب على هذا الاستغلال من إلحاق الضرر بالناس والتضييق عليهم، وهذا يؤدي إلى إيذائهم ماديًّا ومعنويًّا، وقد نهى الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم عن الإضرار بالغير بأي صورة.
دار الافتاء قالت إن الأصل في البيع حِلُّه وإباحته؛ وذلك لقوله تعالى "وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا"، إلَّا ما نَهَى الشارع عنه من بعض الممارسات التي قد تضرُّ بمصالح المتبايعين؛ ومن تلك الممارسات الاحتكار، والذي هو حبسُ كلِّ ما يضرُّ العامّةَ حبسُه؛ وذلك عن طريق شراء السلع وحبسها، فتقِلُّ بين الناس، فيرفع البائع سعرها استغلالًا لندرتها، ويصيب الناسَ بسبب ذلك الضررُ، وقد نهى عنه الشرع وحرَّمه؛ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطئ».. وقال أيضًا: «مَنِ احْتَكَرَ حُكْرَةً، يُرِيدُ أَنْ يُغْلِيَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ خَاطِئٌ».
لقد حرَّم الإسلام تحريمًا قاطعًا، أن يتَّخذ الغنيُّ حاجةَ أخيه الفقير، أو دولته المحتاجة، فرصة لاكتساب المال بطريق لا خير فيه لا للمجتمع ولا للأفراد، والذي يجعل الغني في تربُّص دائم لحاجة المحتاجين، يستغلها في زيادة ماله، دون عملٍ يُحقِّق به نسبته إلى المجتمع، وجزئيَّته في بنائه، والذي ينزع من قلبه الشعور بالوحدة، ومعاني الرحمة والعطف التي هي من مقومات الصحة والعافية والتماسك لأي مجتمع صالح.. وللحديث بقية إن شاء الله.