دروس من رحم أزمة القانون 93.. وصلابة المجلس 39 (3)
ناضلت الجماعة الصحفية لإسقاط القانون المشبوه 93 لسنة 1995 المعروف بقانون اغتيال الصحافة، والمدهش حقًا أن البرلمان الذي أصدره هو ذاته المجلس الذي ألغاه وأصدر قانونًا بديلًا ينتصر لحرية الرأي والتعبير ويمنع حبس الصحفيين في قضايا النشر وهو القانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم الصحافة.
ولا أنسى صلابة المجلس 39 لنقابة الصحفيين ومساندة الجمعية العمومية التي ظلت في حالة استنفار واجتماع دائم حتى انتصرت في معركتها لإسقاط هذا القانون خلال عام واحد.
والحق أقول إن الرئيس مبارك تجاوب مع مطالب الصحفيين، واجتمع بمجلسهم مرتين وأبدى تفهمًا ومرونة كبيرين لولاهما ما تغير شيء، فلم يجد الرئيس غضاضة في مراجعة القانون الذي أغضب الجماعة الصحفية وإلغائه إذا تطلب الأمر ذلك ووضع قانون جديد يلبى المطالب المشروعة للجماعة الصحفية.
ولا أنسى أيضًا ما جرى في أحد اجتماعات الجمعية العمومية للصحفيين حين تشاجر أحد الصحفيين بمؤسسة قومية مع زميله بصحيفة حزبية بعدما تطاول الأخير على الرئيس مبارك، فما كان من الأول إلا أن اعتدى عليه بالضرب وحرر له محضرًا بأحد أقسام الشرطة، فقام مجلس النقابة بإحالة الصحفي القومى للجنة تأديب.
فلما علم الرئيس بذلك اتصل بالنقيب الراحل إبراهيم نافع وقال له: "كيف تشتمونني في الجمعية العمومية وعندما يدافع عنى أحد الصحفيين تريدون فصله من النقابة؟"، فما كان من النقيب إلا أن اتصل بي قائلًا: “أرجوك حاول تحتوى الموقف؛ لأن الرئيس مستاء جدًا مما حدث وهو محق فعلًا".. وبالفعل بذلت أقصى جهدى لوقف التصعيد ضد الزميل الذى اعتدى على زميله.
وهنا لابد أن أسجل للتاريخ جملة أمور مهمة، أولها أن الجماعة الصحفية حين استشعرت خطرًا حقيقيًا على المهنة واجهت الموقف بصلابة على قلب رجل واحد ولم تسمح بشق الصف ولا باستغلال الانتماءات الأيديولوجية ولا الحزبية بل خلعت كل الانتماءات خارج النقابة.. وأدارت أكبر حوار حضاري رشيد مثمر نجح في إقناع المسئولين وعاد بالفائدة على الجميع، صحافة وحكومة ومجتمعًا.
أما السلطة فقد اتسع صدرها لتقبل الاختلاف والنقد وتراجعت عن موقفها رغم إقرار القانون إياه وانحازت للمصلحة العامة ولم تعاند أو تأخذها العزة بالإثم ولم تمض وراء من يحاولون افتعال أزمات وهم يظنون أنهم يحسنون صنعًا حتى أنك تكتشف أن هناك فعلًا من يسيئون للدولة بافتعال مشاكل قد تضر بسمعتها في الخارج، ناهيك عما تحدثه من احتقان بالداخل.
والحق أقول إن الراحل الكبير إبراهيم نافع انتصر لقيم الصحافة على حساب المصالح الشخصية لدرجة أنه هدد بتقديم استقالته من منصبه في الأهرام والعودة لصفوف الجمعية العمومية لكنه قوبل بالرفض من الدولة.
معركة المجلس رقم 93
وهنا لابد من الاعتراف بفضل هذا الرجل وفضل جريدة الأهرام المحسوبة بقوة على النظام وكانت تتمتع وقتها بعلاقات خاصة مع الرئيس مبارك لكن ذلك لم يمنعها من خوض المعركة بقوة حتى أسقطت ذلك القانون البغيض، وهى معركة بدت للبعض أيامها وكأنها ضد الرئيس وأفكاره وما يريده!
ولا ننسى أيضًا أن هناك صحفيين قوميين وحزبيين ومستقلين شاركوا بمقالات داعمة لموقف النقابة الرافض للقانون وأسهموا في بلورة رأي عام مساند لقضيتهم.. كما لا أنسى أن الإعلامي الكبير الراحل محمود سلطان دعاني للظهور في برنامجه التليفزيوني الشهير بعد نشرة التاسعة على التليفزيون المصري للحديث والنقاش الموسع حول القانون.
وكنت يومها في مواجهة مع عميد حقوق القاهرة آنذاك ومع المستشار الراحل شوقى السيد، والذين كانا يؤيدان القانون المرفوض والحمد لله أنني نجحت في نقل وجهة نظر الصحفيين بشأن خطورة هذا القانون على الصحافة والاقتصاد والبلد كله.
مثل هذه الوقائع وغيرها تؤكد كيف كانت الصحافة قوية مؤثرة ذات مناعة لا تسمح بتسلل الآفات إلى جسد صاحبة الجلالة.
وفي النهاية.. أقول تحية تقدير لمجلس نقابة الصحفيين رقم 39 برئاسة النقيب الراحل الكاتب الصحفي الكبير إبراهيم نافع رئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة الأهرام، والراحل جلال عيسى وكيلًا أول للمجلس، والوكيل الثاني محمد عبد القدوس، وكنا نحن الأمين العام، والراحل مجدى مهنا أمين الصندوق، وعضوية كل من يحيى قلاش وأمينة شفيق وصلاح عبدالمقصود وحاتم زكريا.. والراحلين حسن الرشيدى وعبدالعزيز خاطر ورجاء الميرغنى وإبراهيم حجازي.
فقد خضنا معركة كبيرة وانتصرنا للمهنة والحرية.. رحم الله من رحل منهم.. ومتع الأحياء بالصحة والعافية.. ولنا أن نتساءل: ماذا لو أن هذا القانون لم يسقط.. ترى هل كانت هناك صحافة أو حرية رأي؟!