من يوقف الاستغلال؟! (3)
الغش التجاري بكل أنواعه هو استغلال ممنهج يستغل بمقتضاه الغشاشون جهل المستهلكين بجودة البضائع والمنتجات، فيروجون لأشياء مغشوشة في ظل ضعف الرقابة وغياب الدور الفعال لجهاز حماية المستهلك الذي ينشط في الدول المتقدمة ليمارس دورًا رقابيًا نشطًا يمنع أو يقلل وجود مثل هذا الغش، ويحاسب مرتكبيه بقوانين حاسمة تسهم في ردعهم وحماية الناس من شرورهم.
الاتجار بالبشر أسوأ أنواع الاستغلال، وهو جريمة تنطوى على تجرد من الإنسانية والشرف، وإهانة لما كرّمه الله تعالى، وجعل له شرفا وفضلا لقوله سبحانه: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا” (الإسراء:70).
واستغال البعض لأحلام الشباب في مستقبل أفضل، واستغلالهم في الهجرة غير الشرعية التي يغرق كثير منهم على المراكب التي تبحر بهم إلى المجهول في عرض البحر فيموتون ويتركون أسرهم نهبًا للآلام والحسرة على فقدانهم..المتاجرون بأحلام هؤلاء الشباب يرتكبون جريمة كبرى تمثل استغلالًا جسيمًا لهم وغوايتهم ودفعهم على طريق الموت دفعًا غير مكترثين بحجم الجرم الذي يقدمون عليه استغلالًا لحاجة هؤلاء الضحايا وفقرهم.
لا ضرر ولا ضرار.. تلك قاعدة ذهبية ينبغي أن تحكم تصرفاتنا في حياتنا كلها، وكل ما يخل بها فهو مرفوض قطعًا، والاستغلال السيئ أيًا ما تكن وسيلته أو صورته فهو إضرار للناس والمجتمع ينبغي ألا نسكت عليه، ذلك أنه سلوك أناني يكشف عن شخصية انتهازية تتاجر بالأزمات وتبحث عن الفرص غير المشروعة للتربح وتحقيق المنفعة بغير وجه حق..
ومثل هذا السلوك ليس من الشرع ولا من الإنسانية في شيء لما يسببه من إيذاء للغير ولما يلحقه من أضرار بالآخرين، وإذا سكت عنه المجتمع باتت الحياة غابة لا يؤمن شرها ولا يرجى خيرها، وصار كل قوى يتحكم في الضعفاء ويمارس عليهم سطوته ويبسط عليه قبضته.
الفساد والاستغلال السلبي
النصب والاحتيال أيضًا نوع من استغلال طيبة الناس وربما طمع، وقد انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة المستريح التي استطاع من خلالها مجرمون في سلب مليارات الجنيهات من الناس في محافظات عديدة بدعوى توظيفها في التجارة مقابل أرباح كبيرة ووقع الكثيرون في شراك هؤلاء النصابين وخسروا أموالهم نتيجة استغلالهم وخداعهم.
والسؤال: من المنوط به محاربة الاستغلال السلبي بشتى صوره؟!.. والجواب قطعًا: إن الدولة-أي دولة- هى المعنية بحماية مواطنيها من أي استغلال.. هكذا أكد رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى في أحد اجتماعات مجلس المحافظين عقب قرار لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية، ضرورة عدم استغلال البعض لزيادة أسعار السولار في القيام برفع أسعار السلع..
محذرًا من وقوع هذا الاستغلال لزيادة أسعار السلع والخضر بالأسواق وخاصة السلع الرئيسية، مطالبا المحافظين بوقفة حاسمة في هذا الأمر ومتابعة حركة الأسواق أولا بأول للحفاظ على انضباطها بمنتهى الحزم والقوة، مع استمرار الحرص على توافر السلع بالأسواق بالكميات المناسبة، حتى لا تكون ذريعة للبعض لرفع الأسعار بصورة غير مبررة..
والسؤال: هل التزم المحافظون ومن يعملون تحت قيادتهم من صغار الموظفين وكبارهم بهذا الكلام.. وهل الزيادات المستمرة للأسعار لكثير من السلع مبررة.. أم أنها تكشف عن مجتمع يصارع لممارسة الاستغلال كل على طريقته.
الوعي بخطورة الفساد والاستعداد لمواجهة الاستغلال السلبي بشتى صوره نظرا لتكلفته العالية على الفرد والمجتمع.. ينبغى أن تكون أولوية للجميع الحكومة والإعلام والمجتمع المدنى والمواطنين على السواء حتى نضع حدا لهذا الفساد.
كلنا مطالبون بالتصدى للاستغلال السيئ لأي إنسان؛إعلامًا ومجتمعًا بمزيد من التوعية الدينية بحرمته وجسامته وضرورة مجابهة المطامع وتشديد العقوبات في القانون لمواجهة كل صور الفساد والاستغلالٍ.. فهل نحن مستعدون للتخلى عن الاستغلال ثم محاربة المستغلين أيا ما تكن مواقعهم ووظائفهم..؟!
أتمنى..