رئيس التحرير
عصام كامل

مجلس 39!

نقابة الصحفيين كانت ولا تزال حاضرة في المشهد السياسى والصحفى، فهى ليست مجرد نادٍ اجتماعى يقدم -شأن سائر النقابات- خدمات لأعضائه، بل هى فوق ذلك نقابة رأي مهمتها الدفاع عن حرية الرأي والتعبير منذ تأسست في الحادي والثلاثين من مارس 1941، ثم ما لبث أن تشكَّل أول مجلس معين في السابع من أبريل من العام نفسه برئاسة محمود أبو الفتح باشا نقيبًا.. وحين تطالع أسماء أعضاء النقابة منذ ذلك الحين تجد قامات ثقافية وصحفية يشار لها بالبنان.


تاريخيًا ناضلت الجماعة الصحفية تحت مظلة مجلس النقابة لتكريس حرية الصحافة وتعزيز حرية الرأي والتعبير، وأذكر أننى كنت شاهدًا على ذلك النضال، بل ومشاركًا في إحدى معاركه الكبرى ضمن كتيبة شجاعة ضمّت أعضاء المجلس التاريخى رقم 39 برئاسة النقيب الراحل الكاتب الصحفي الكبير إبراهيم نافع رئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة الأهرام.. 

 

وكان الراحل جلال عيسى وكيلًا أول لمجلس نقابة الصحفيين، وكان الوكيل الثاني محمد عبد القدوس نجل الأديب الكبير إحسان عبد القدوس، وكنت أنا أمينًا عامًا للمجلس، والراحل مجدى مهنا أمينًا للصندوق، وعضوية كلٍ من يحيى قلاش وأمينة شفيق وصلاح عبدالمقصود وحاتم زكريا.. والراحلين حسن الرشيدى وعبدالعزيز خاطر ورجاء الميرغنى وإبراهيم حجازي.

حرية الصحافة وحرية الرأي


هذا المجلس خاض إحدى أنبل وأهم معارك الدفاع عن حرية التعبير وحرية الصحافة، الشهيرة بمعركة القانون 93 لسنة 1995، الذي غلظ العقوبات في جرائم النشر وألغى ضمانة عدم حبس الصحفيين احتياطيًا في هذه الجرائم.. وقد فوجئنا بالبرلمان وقتها وقد سارع بإقراره بين عشية وضحاها بينما كان نقيب الصحفيين إبراهيم نافع في رحلة علاج بالخارج.. 

 

وسرعان ما كلَّف مجلس النقابة الراحل جلال عيسى بتجهيز كلمة للردّ على ما حواه هذا القانون من قيود ضد الصحافة والصحفيين.. وبالفعل ألقى جلال عيسى كلمة النقابة في عيد الإعلاميين الذي كانت تقيمه وزارة الإعلام سنويًا أيام صفوت الشريف وكان يحضره الرئيس مبارك..

 

وبالفعل جاءت الكلمة قوية معبرة عن نبض الجماعة الصحفية وأشواقها للحرية، وطالب جلال عيسى في كلمته الرئيس مبارك بعدم التصديق على هذا القانون فرد الأخير بقوله:"إحنا ما بنبعش ترمس يا جلال".. الأمر الذي فاقم الأزمة ورفع سخونة الأحداث بالنقابة التي قرر مجلسها أن تبقى الجمعية العمومية للصحفيين في حالة انعقاد دائم حتى إسقاط هذا القانون المشبوه وقامت الدنيا ولم تقعد، وتلقت النقابة دعما محليًا ودوليًا غير محدود.


وفي خضم المعركة فوجئت باتصال تليفوني من الراحل إبراهيم نافع يطلب منى إبلاغ المجلس أنه سيقطع رحلته العلاجية بالخارج ليشارك بقوة في إدارة المعركة ضد القانون.. وكان موقفًا جريئًا يحسب لهذا الرجل الذي لم يمنعه موقعه كرئيس لمجلس إدارة وتحرير الأهرام كبرى الصحف القومية في مصر والذي عيّنته الحكومة في هذا المنصب لم يمنعه ذلك من الانحياز للمهنة ضد قانون الحكومة.. 

 

ولم يكتف الرجل بذلك بل إنه تصدر مشهد النضال وكتب بنفسه مقالة مهمة عن حرية الصحافة والصيد في الماء العكر، وزاد على ذلك أن فتح صفحات الأهرام واسعة أمام مقالات مضادة للقانون تسعى بقوة لكشف نوايا من يقفون وراءه لتكميم الأفواه وخنق حرية الصحافة وتقييد حرية الرأي والتعبير..

 

 

وكانت عودة إبراهيم نافع من الخارج وقيادته للمجلس من داخل مصر نقطة تحول حاسمة، فرجل الدولة هو أول الرافضين لسوءات القانون، وفي ذلك درسٌ لو تعلمون عظيم.. فما يبقى هو المهنة والانتصار لقيمها السامية والدفاع عن حرية الرأي التي هى روح الصحافة ووقودها ومن دونها لا يمكن الحديث عن أى صحافة أو إعلام أو حريات.. وللحديث بقية.

الجريدة الرسمية