رئيس التحرير
عصام كامل

أبي علمني كيف تكون القدوة والرجولة

في أيامنا هذه اهتزت القيم واختلت الموازين.. فلم نعد نجد للكبار توقيرا من الصغار ولا يعرف أكثر الأبناء الوفاء لوالديهم إلا ما رحم ربي.. حضرت الأنانية وغاب الإيثار.. ولا أدرى كيف يغمض جفن لمن يجحد حق والديه.. 

 

ومن منا يستطيع أن يوفّي أمه أو أباه حقهما؛ فحق الوالدين عظيم، حتى إن الله عز وجل قرنه بحقه في آيات كثيرة، يقول الله عز وجل: "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا" (النساء: 36)، ويقول أيضًا: "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا" (الإسراء:23 )، ويقول سبحانه وتعالى: "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ" (لقمان:14).

دروس بليغة


أما الأب فكان قدوة حسنة تمشي على قدمين، ورغم تعبه في العمل ليوفر لنا ما نحتاج إليه، فقد كان حريصًا على صلة الرحم، والعطف على المساكين والفقراء، ولا أنسى له أبدًا ما فعله في إحدى ليالي رمضان الفضيل حين دخل علينا وفي صحبته رجل مبروك هكذا كانوا يلقبونه وقتها.. ليجلسه معنا على الطبلية (وهي مائدة أهل الريف) ليتناول معنا طعام الإفطار.. 

 

وكان هذا درسًا بليغًا تعلمناه من أبي وأمي، درسًا أصدق من ألف وعظ وألف نصيحة، تعلمنا بصورة عملية كيف نجعل للفقراء والمساكين نصيبًا من طعامنا ورزقنا الذي ساقه الله إلينا.. كان أبي إذا وعد أوفى وإذا تحدث صدق القول.. كما علمنا ألا ننظر لما في أيدى الآخرين، عملًا بقوله تعالى: “وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ  وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ” (طه: 131).


ورغم أن عائلتنا لم تكن من الأغنياء فإننى لم أعرف أن أبي استدان يومًا من أحد، فمرتبه من وظيفته، وما يمتلكه من أرض قليلة، كان يكفينا ويزيد، ولم يتأخر يومًا عن إخراج زكاته. وقد تعلمت من أبي وأمي العدل بين الأبناء، لأنهما كانا يعدلان بين الأبناء ليس في العطاء المادى فحسب بل حتى في الجانب النفسي وما يستلزمه من عطف وحنان، وكانت الأولوية للبنت دائمًا وفي الحدود المتاحة، خلافًا لما كان سائدًا من التحيز للذكور خصوصًا في المجتمعات الريفية.

 


ومن ثم كان طبيعيًا أن ننشأ على بر الوالدين الذي بات فريضة غائبة يغفل عنها كثير من أبناء هذا الزمان، لا لشيء إلا أن الوالدين مشغولان طيلة الوقت بمتاعب الحياة ، وغواية التكنولوجيا التي أضاعت روح الترابط الأسري، فلم يجدا وقتًا يعلمان فيه أبناءهما شيئًا من دينهما، أو ربما تشاغلا هما عن والديهما بالأساس فنشأ أبناؤهما على الجحود غافلين عن قاعدة أصيلة مفادها أن البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت.. اللهم ارحم والدينا وأصحاب الحقوق علينا..وللحديث بقية.

الجريدة الرسمية