آفة حارتنا.. لم تعد النسيان فقط!
في الذكرى السابعة عشرة لرحيل عميد الرواية العربية وأديب نوبل أو كاتب الحارة المصرية نجيب محفوظ الذي لا تزال كتاباته تنبض بالحياة بعد ولا تزال رواياته مصدر إلهام ومقصدًا للقراء، خاصة جيل الشباب، ومنبعًا مهمًا لصناع الدراما والسينما حتى الآن، ولا تزال الكتب النقدية والدراسات البحثية والسير الذاتية تجرى وراء حكايات جديدة فى حياة النجيب أبى الرواية العربية.
أسلوبه يمتاز ببساطة اللفظ وعمق المعنى، وينطوى على رؤية فلسفية تغوص في أعماق النفس البشرية، ومن ثم فإن أدبه يصنّف كأدب واقعي لأنّه يصف الواقع بموضوعيّة وتقنية عالية، ولذلك أصبح الروائيّ العربيّ الأكثر شعبيّة، والأكثر حضورًا في الوجدان الشعبي، والأكثر تأثيرًا في المجتمع..
آفة حارتنا النسيان
له قاموس ثري بالدلالة والمعاني، عباراته تسري في الثقافة سريان الأمثال والأقوال المأثورة.. هو صاحب مقولة "آفة حارتنا النسيان".. لكنها للأسف لم تعد آفة واحدة بل جملة آفات، نلهث وراء المدنية الحديثة بتقنياتها شديدة التطور لكننا غارقون في التخلف..
ندعي التدين لكنه تدين شكلى مغشوش يتمسح في الفضيلة لكنه سرعان ما يسقط في معارك الحياة والمعاملات.. نتدشق بالحرية والديمقراطية لكننا نعجز عن ممارستها حتى في أحزابنا وداخل بيوتنا فنقع في فخ المجاملات والمداهنات والمواءمات وتتعثر ألستنا عن النقد الهادف وننجرف إلى المكايدات وتصفية الحسابات ومن ليس معى فهو ضدي.
نحب الهدوء لكننا غارقون في الصخب والضوضاء والتلوث بشتى أنواعه، نحب أن يحترم الآخرون خصوصياتنا لكننا لا نتورع عن هتك أستار الآخرين ونبش أسرارهم واستباحتها والغيبة والنميمة.. نرغب في اعتذار من أخطأ في حقنا لكننا لا نملك شجاعة الاعتذار إذا أخطأنا بل نتمادى في الخطأ ظنًا منا أن الاعتذار ضعف لا يصح أن نقترفه.
تسللت أمراض القلوب بيننا، فتركنا أنفسنا لغواية الكره والحقد والحسد ومددنا أعيننا لما في أيدى الغير، غير قانعين بما رزقنا الله، وضاقت آفاقنا حتى ظننا أن المال والوظائف العليا والجاه والنفوذ هي فقط الرزق أما الصحة والستر والرضا فلا نراها نعمًا تستوجب الشكر والحمد لواهب النعم.
تقدمت أساليب تعليمنا وتنوعت مدارسنا بين دولى ولغات وحكومي لكننا نسقط دائمًا في امتحان المشاعر والصدق والإحساس بالجمال واحترام حقوق الغير، وتوقير الكبار واحترام الرأي الآخر بل ضاقت صدورنا بالنقد وكل رأي مخالف لأننا ما عدنا نربي أولادنا على قبول المختلف معنا حتى ولو كنا على صواب..
ونسينا أنه لا يملك الحقيقة المطلقة إلا رب الكون ومرسل الرسل والأنبياء، صاحب القول الفصل وكل ما عداه متغير يقبل الرد والأخذ، هكذا قال الإمام الشافعي وهو من هو علمًا وفقهًا ودينًا.. قال "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غير خطأ يحتمل الصواب".. ترى لو كان أديب نوبل بيننا هل كان يكفي بأن آفة حارتنا النسيان؟.. أم أن حارتنا ضربتها آفات كثيرة أحاطت بها من كل اتجاه.