أوراق العمر.. تتساقط!
كل يوم يمر تسقط ورقة من أوراق العمر.. تمضى بحلوها ومرها.. بأفراحها وأتراحها.. يهرب الحلُم.. ولا نستطيع الإمساك به، فعيب السنين.. أنها تصنع الذكريات، وعيب الذكريات.. إنها لا تعيد لنا السنين.. العمر سفينة تبحر بنا تتقاذفها الأمواج والرياح.. لا نجاة لأحد إلا بيقين وعمل.. يقين بأن الله خالق الكون ومدبره.. يخلق ما يشاء.. ويقضى ما يشاء.. وعمل صالح يبقينا على قيد الأمل والنجاة.
لا أدرى لماذا طارحتني الهموم وطاردتني الذكريات وأنا أقلب في كتاب مفكرنا الكبير الدكتور مصطفى محمود "السؤال الحائر" ووجدت أسئلة حائرة فعلًا.. ربما لا تجد لها إجابات في واقعنا.. لكن إذا تأملت كتاب الكون وناموس الحياة وجدت الأمور محسومة والإجابات قاطعة..
يقول المفكر الفيلسوف الدكتور مصطفى محمود: "وحينما تغرق السفينة لن ينجو أحد.. الكبار سوف يسبقوننا إلى القاع.. لا غالب ولا مغلوب.. لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ربي.. وتبقى في الذهن صورة عجيبة لهذا الزمن العجيب الذي جمع بين أقصى الشر وأقصى الخير.. وبين أقصى العلم وأقصى الجهل.. وبين أقصى الوفرة وبين أقصى المجاعة.. وبين غاية الحقد والرفض وبين تعدد وسائل الاستمتاع ويسر العيش وسهولة الإشباع.. وبين قمة المرح وبين حضيض الاكتئاب!
ذلك الزمان الذي تجد فيه النفس فرصة اللانهائية لتنفع وتضر وذلك في نظري أكبر ميزاته.. أنه زمان الفرص! السعيد من حاول أن يغتنم لنفسه فرصة خير ومناسبة نفع وأن يجد لنفسه موطيء قدم بين الأقليات العاملة في صمت..
ولينسى مؤقتًا ماذا يكسب وماذا يخسر.. فإن الأغلبية إلى خسارة.. وأكثرهم خسارة هم الذين يبدون اليوم أكثر وجاهة وأكثر مكسبًا.. وسوف يسحب التاريخ بساطه فيمحو آثارهم جميعًا ولن يبقى في قائمة الذكر الحسن إلّا أنفع الناس"!
وأختم بالقول.. إنها حقيقة الدنيا التي لا يبقى فيها إلا ما ينفع الناس من عمل صالح وذكرى طيبة يذكرك بها الناس كلما طاف بهم طائف من الذكريات.. يقول الله تعالى:{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد: 17].. هذه مجرد خاطرة طافت في خيالى وأنا أقلب أوراق العمر.. وأحصى الراحلين الذين سكبوا النور في أرواحنا.. اللهم اجعلهم في مستقر رحمتك.