أين حمرة الخجل؟!
منذ أيام خرج علينا الإعلامي عماد الدين أديب، وهو بالمناسبة ابن دفعتى بإعلام القاهرة 76، خرج بمقالة بعنوان "انتهى عصر دفتر الشيكات النفطيّ المسيّس!" متحدثًا عن مساعدات دول الخليج لمصر وغيرها.
طفق أديب يبشرنا بقواعد التعامل الثنائي مع دول الخليج عامة، والسعودية على وجه الخصوص، مؤكدًا أن مبدأ دفتر الشيكات النفطي المفتوح قد انتهى إلى غير رجعة ولا إمكانية لعودته بأيّ شكل من الأشكال، ليحل محلّه الاستثمار المنتج المبنيّ على قواعد من المصالح والمنافع الاقتصادية..
هكذا تكلم أديب بمنطق العليم ببواطن الأمور، متخذًا من الحالة اللبنانية مدخلًا، ليتطرق إلى ما قدمه الأشقاء من مساعدات إنسانية بمليارات الدولارات لبضع دول عربية، بينها مصر.. وهذا بيت القصيد.. فقد تلقفت القنوات والمواقع إياها كلمات أديب لتسكب عليها مزيدًا من التحليلات التي أريد بها تشويه صورة مصر، مؤكدة أن أديب مجرد عرّاب يجرى استخدامه بين الحين والحين لتوصيل رسائل سياسية مبطنة أو صريحة للقاهرة..
رسائل أديب
والسؤال وبصرف النظر عن صحة أو عدم صحة ما قاله أديب أو الأطراف إياها: ما جدوى تلك الرسائل لمصر في هذا التوقيت بالذات.. وهو توقيت يعلم أديب ومن وراءه أنه بالغ الصعوبة، يصب في غير صالح بلده الذي غادره ليتخذ لنفسه موطئًا آخر يبث منه رسائله التي لا أطمئن أبدًا أنها تصدر من بنات أفكاره..
وهي رسائل لا تخفى دلالاتها ويصب أغلبها في غير صالح بلده الذي كان أولى به أن ينافح عنه أو أن يسكت وهذا أضعف الإيمان، وينأى بنفسه عن التورط في الهمز واللمز تارة، والتصريح والنقد المباشر تارة أخرى.. ثم من الذي خوَّله للتدخل في العلاقات بين الدول بعضها بعضًا.. وتصوير مصر بكل عراقتها وتاريخها ومكانتها بما لا يليق وهى التي لم تبخل على أحد ولم تمنّ على أحد يوم كان بمقدورها العطاء ؛ إيمانًا بأن هذا واجبها وقدرها.
فإذا وضعنا مقالة أديب جنبًا إلى جنب تقارير اقتصادية وصحفية صدرت مؤخرًا عن مؤسسات دولية معتبرة وصحف ودوريات أجنبية ذات شأن تناولت أحوالنا الاقتصادية بإسهاب وأعطى بعضها أو ربما أغلبها انطباعات سلبية عما آلت إليه أحوالنا الاقتصادية.. ندرك إلى مدى أضر أديب-بقصد أو دون قصد- ببلده ولم ينفعه.. وليته سكت..
فما قاله ربما لا يضيف جديدًا إلا المجاهرة بوقف الدعم عن مصر، ولعله مما يدخل تحت مبدأ "علم لا ينفع وجهل لا يضر" إلا إذا كان هو قد انتفع بما قال.. وهو نفع لو حدث فهو بخس يسير إذا ما قيس بحجم الضرر الذي يجرح الشعور القومى لبنى وطنه!
ولا يخفى على أديب أن علاقة مصر بالأشقاء العرب علاقة وجود ومصير مشترك.. واحترام ومصالح متبادلة.. ولا يصح أن تترك ليخوض فيها كل غادٍ ورائح.. أو تكون رهنًا لترهات وتخرصات أو تأويلات وتلميحات موجهة لغرض في نفس يعقوب..
صحيح أن مصر تمر بظروف صعبة كانت تقتضي بأديب أن ينافح عنها لا أن يكيل لها النقد ويمنّ عليها بعطاء لا يملكه، ولا ناقة له فيه ولا جمل لاسيما ومصر لا تنكر ولا تجحد ما قدمه لها الأشقاء من دعم في سنوات ما بعد يناير 2011 وما تبعها من انفلات واضطرابات، حتى يأتي عماد أديب ليذكرنا به وينصّب نفسه متحدثًا باسم الأشقاء الذين لا يقل حرصهم على تعزيز العلاقات المشتركة دعم أواصر الأخوة عن مصر..
و تلك بالقطع غاية أسمى تعلو حسابات البيزنس والمكسب والخسارة وتكلفة وعائد الاستثمار الذي أفاض فيه أديب، وكأنه ليس مصريًا أو هانت عليه مصريته حتى يجعلها في وضع لا يليق.. ناسيًا أن ليس كل ما يعرف يقال.. وليس كل ما يقال حضر أهله.. ولا كل ما حضر أهله جاء وقته.. إلا إذا كان لأديب رأي آخر.. ومآرب أخرى ساعتها نقول بضمير مستريح: أين أنت يا حمرة الخجل.. اين أنت يا أديب ؟!