رئيس التحرير
عصام كامل

المثقف المصري والسلطة.. حضور أم تغييب؟

مرة أخرى وبقوة تطرح اشكالية العلاقة بين المثقف وسلطة الحكم في الوطن نفسها، وهى في الحقيقة إشكالية أزلية منذ بدأ الوعي الإنساني في النشوء لدي شخص فكر وتأمل وتصور وبنى رؤية من مجموع ما فكر وحصل من خبرات وقراءات، وبين من بيده القوة، فيجعل الناس تفعل أو لا تفعل!


وحيث إن العلاقة بين المثقف المصرى وبين السلطة في العهد الحاضر هي علاقة غياب، أو بمعنى أدق لا علاقة، فمن الواجب إعمال الفكر في الأسباب والتحقق من المواقف للطرفين، موقف الراصد من جانب المثقف، وموقف المرصود وهو الحكم، وهل الراصد رافض، وهل المرصود راض؟!

 
في مقال سابق، على منبر فيتو، قلنا إن النخبة المصرية المثقفة كانت فاعلة، ومحركة، ومستفزة ومبشرة، ومعارضة، ومشاركة، بدرجات متفاوتة في عهود ناصر والسادات، ثم متفرجة، وساكنة تحت تأثير المد المتشدد دينيا المتسلل، في عهد مبارك، وتوحدت مع السلطة، في مواجهة الارهاب، والفكر المتطرف.


والحق أن المثقف المصرى تلقى ضربة قوية ليس فقط من محيطه الضيق، ولا من محيطه المجتمعي، بل من داخل صفوفه، حين بايع نفر منهم عصابة الإخوان، وباعوا أنفسهم تحت دعوى الاستنارة وإرساء سلطة مدنية، وهم يعلمون أنها بطبيعتها سلطة دينية كاذبة.

المثقفين المصريين وغياب الثقة


يغيب المثقف المصرى عن المشهد السياسي والفكرى والاجتماعي الحالي، فهل العلة فيه، أم في إقصاء السلطة له؟ وهل من مصلحة النظام تغييب قوة فكر قادرة علي التبشير وزرع الأمل وتوجيه الجماهير كما فعل عبد الناصر؟ والسؤال الأهم هو هل لدينا مثقف مصرى يتمتع بحيوية الضمير ومرونة الوعي وبصيرة الحلم والاشتباك مع أحلام الناس من حوله، والاتزان النفسي، لا الهوس بالمظهر الفوضوي والتغريب لبسا ولسانا ولغة، لإظهار التفرد؟


السلطة دائما بحاجة لمن يعقل حركتها إن افرطت، ويوجه الجماهير لقبول أو فهم أو رفض مشروعات السلطة وقوانينها، مع الدستور أو ضده، فإن كانت السلطة تعمل وفق مؤسسات فإنها ترتاح للدور التنويري للمثقف، وإن كانت السلطة تعمل منفردة بمعزل عن المؤسسات فإنها ترى المثقف مجرد أراجوز يهذي!


ويمكن القول أن العلاقة الجارية بين المثقف المصرى والحكم في مصر ليست فقط علاقة غياب، بل علاقة ارتياح متبادل! والحق أن السلطة لاتزال متأثرة بالالتباس الذي وقع سنوات 2011، و2012، و2013 بين المثقف والناشط السياسي واختلاط الأدوار.

 

فكل ناشط استخدم لغة ولسانا ولهجة وإيماءات نقلته بطبيعة الاهتمام الإعلامي المنساق بلا بصيرة وقتها، من دور الداعية السياسي المأجور، إلى دور المصلح السياسي الواعي، بل المثقف ودكاترة كثيرون كانوا عرضا مسليا لشعب الكنبة، يلوكون ألفاظا، ويستعرضون أفكارا لم يفهمها أحد. 

 

ولابد من الاعتراف بأنه من الصعب أن تنسى السلطة الدور المخزي لثلة المثقفين المصريين.. ممن بايعوا وباعوا أنفسهم للمرشد، فقد ظهروا بأنهم يتمتعون بوعي كاذب انتهازي، ولا يمكن الوثوق بهم.
كان من المأمول أن تكون تلك النخبة جدار نار من العقل والفكر يواجه الفكر الرجعي المتخلف لجماعة اغتصاب الحكم أو قتل الناس.


العلاقة إذن علاقة فقدان ثقة، وغياب دور، ثم إن الطرفين في ارتياح بالغ لحد الامتنان.. فهل هذه هي الحقيقة؟ كلا.. المثقفون المصريون، من كل الطبقات أحياء يرزقون، لا ماتوا، ولا غابوا، ولا خذلوا وطنهم، ويتابعون أداء السلطة، لكنهم يواصلون دورهم بكل وطنية ومهمومون بمتاعبه ومشكلاته، ولقد اختاروا منابر الصالونات الثقافية الخاصة، يتبادلون الرأي، ويطرحون الرؤى.. وكانوا خير عون، في صمت ونبل، لمساندة الدولة في سنوات القهر والاستعادة..

 


لو مدت الدولة يدها إليهم، لحصلت على أقوى أسلحتها الناعمة.. نفاذا وتأثيرا ولتغير شكل شاشة الإعلام المصرى ومحتواها، ولعرف العالم أن في مصر رأيا عاما قويا يحسب حسابه..
لو.. تبقى لو للتمنى..

الجريدة الرسمية