اجتماع الرياض.. فيما يفيد مع غياب موسكو؟
لمدة يومين تستضيف المملكة العربية السعودية، اجتماعا في جدة، لبحث تسوية تنهي الحرب - المأزق الناشبة بين روسيا والناتو عبر أوكرانيا أرضا وشعبا وجيشا ومستقبلا. يريد المجتمعون من أربعين دولة، الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ومصر والاتحاد الأوروبي، والصين لاحقا، مناقشة خطة السلام التي سبق ان اقترحها الرئيس الأوكراني زيلنسكي..
وهي خطة تنهض على عشرة نقاط، تقضي تماما على أية مكاسب حققها الروس خلال 18 شهرا من الحرب، ومئات الآلاف من القتلى والجرحى، فضلا عن الخسائر الاقتصادية الفادحة..
وزيلنسكي هو الرئيس الوحيد الحاضر هذه الاجتماع الذي دعا إليه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وحسنا فعلت الرياض لأنها تجعل الحضور والدور العربي جليا أمام العالم، وقد كان من قبل زيارات خاطفة لكييف ولموسكو، أو اتصالات هاتفية، تبحث الأزمة وتعلن المؤازرة المالية أو الدعم، وضرورة احترام القانون الدولي مع ضمان الأمن القومي الروسي.
اجتماع جدة والدبلوماسية السعودية
كانت جهودا متناثرة، وهي جهود سبقتها في النضج قمة الافارقة مع موسكو، وكانت بحثا عن السلام الغذائي لنصف الكرة الجنوبي، أما اجتماع جدة الذي يحضره مستشارو الأمن الوطني في البلدان الأربعين وكبار المسئولين العسكريين، فهدفه وقف الحرب ووضع تسوية سلمية، لكن الهدف المتقدم عليه هو إبراز الدبلوماسية السعودية علي مسرح العلاقات الدولية، وبخاصة أنها تتمتع بعلاقات مع موسكو وبكين طيبة، وهي حليف موثوق مع الغرب.
من الواضح أن الاجتماع يقدم الرياض، ويقدم كييف، لكنه لا يقدم أصل المشكلة والأزمة، إذ يغيب عن الاجتماعات الدولة الفاعلة في المشهد برمته وهي الاتحاد الروسي، لكن من الطبيعي أن هذه الاجتماعات سبقها تشاور ومحادثات بين الرياض وبين موسكو، كما لابد أن الرياض ستطلع الطرف الغائب موسكو، وهو الرئيسي بحق، بما تنتهي إليه المناقشات والتوصيات.
يأتي اجتماع جدة موازيا لتطور خطير في أداء القوات الأوكرانية وهو استهداف العاصمة موسكو بمسيرات غربية، يتم اسقاطها بالفعل، لكنها صارت تمثل حضورا للناتو فوق قباب الكرملين، وهو ما يؤلم، بل يستفز بوتين.. وكان الرد الروسي تدمير مخازن الغلال في ميناء أوديسا، بل وإطلاق موجات كثيفة من شتى أنواع الصواريخ فرط الصوتية والمجنحة في أرجاء أوكرانيا.
مغزى التكثيف الروسي للهجمات الصاروخية، أن البحث عن السلام في أوكرانيا علي أرض الشرق الأوسط لا يعني غياب موسكو، بل تعتبر هذه الضربات اثبات حضور عملى، إذ كيف يستقيم مناقشة خطة سلام مع خصم غائب!
بطبيعة الحال من حق الدبلوماسية السعودية ممارسة الوجه الآخر لقوتها الاقتصادية، وهو التأثير في مجريات الأحداث، وبخاصة بعد أن تمكنت إدارة بن سلمان من كسر طوق واشنطن التقليدي، وإظهار حرية قرار وحركة ملموسين لحساب الرياض أولا.
لا نتوقع الكثير من هذه الاجتماعات التي تنتهي اليوم، وحتى الذين حضروها لا ينتظرون انفراجة، لكنهم حضروا إبراء للذمة الانسانية، قبل أن تتدحرج كرة النار من أوروبا إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة، في كل الأحوال نثني على دولة عربية جمعت أربعين دولة لمناقشة حرب أهلكت الاقتصاد العالمي، ولا تزال تطحن الجنوب من الكرة الأرضية.. فقراء الكوكب.
