لماذا ضاقت صدورنا رغم اتساع ديارنا؟!
سيظل السؤال: لماذا ضاقت صدورنا رغم اتساع دورنا خلاف ما عشناه وعاشه أجدادنا قديمًا حيث كانت البيوت ضيقة.. والصدور واسعة.. بيوت المصريين كانت تؤوي أجيالًا عديدة تحت سقف واحد، مظلة الأب كانت واسعة تجمع الأبناء وتتسع للأحفاد.. بركة الرزق والعمر كانت موفورة رغم قصر الأعمار.. الآن اتسعت الدور وطالت الأعمار لكن قلت البركة وزادت الجرائم وتراجعت الأخلاق وانحدرت..
تسارعت وتيرة الزمن وتباطأت الحميمية وانتكست العلاقات لاسيما الأرحام.. كان الطعام قليلًا يتشارك فيه طائفة من الناس لكنه كان يكفي ويفيض بفضل ما في صدور الناس من تقوى وإخلاص وحب وإيمان وصفاء في النفوس يقول الله تعالى: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ "(الأعراف: 96).
وقد يقول قائل إن تفسير الآية كما ذهب القرطبي إن هذا فى أقوام على الخصوص جرى ذكرهم، إذ قد يمتحن المؤمنون بضيق العيش ويكون تكفيرا لذنوبهم.. لكن ذلك لا يمنع أن تنطبق الآية على كل زمان ومكان؛ بحسبان القرآن رسالة عالمية؛ كما أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب..
حسن الخلق مفتاح الرزق
فمثلًا قوله تعالى: "إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ" (هود:114) فهذا حكم عام نزل على سبب خاص، وهو قصة الأنصارى الذى قبل امرأة أجنبية عنه، فاللفظ يتناوله ويتناول كل مثيل له، لأنه باق على عمومه وهذا هو الراجح عند جمهور العلماء.
باختصار لا خير في أمة لا أخلاق لها؛ فالخلق الحسن مفتاح الرزق والكلام الطيب رسول المحبة يفتح مغاليق القلوب وقيل إن البر شيء هين وجه بشوش وكلام ليّن، ولن يصدر اللين إلا عن نفس يملؤها الخير، فاللين ما كان في شيء إلا زانه وما نُزع من شيء إلا شانه..والأدب والحياء من حسن الخلق..
ومن ثم فإنه تعجبني دماثة الطبع في زمنٍ قلّ فيه الأدب والورع.. ويبهرني اللطف في زمن الخشونة والوقاحة.. ويأسرني الاحترام في زمن الجرأة والسماجة.. ويضنيني الشوق لحسن الخلق.
كثيرًا ما تتباهى في مجتمعاتنا بشهاداتنا وجامعاتنا وندرة تخصصاتنا، وننسى أن العلم لا يكتمل دون أخلاق حسنة تحميه من الشطط والانزلاق نحو الهاوية.. الذكاء الاصطناعي مثلًا أصبح شبحًا يخيف البشرية تحسبًا لوقوعه في أيدى أشرار الناس الذين يسيئون استخدامه ويذيقون البشرية ويلاته وآلامه..
ربما يتباهى بعضنا بما يشتريه وبما يلبسه.. وإلى أي وجهة سافروا، حتى أصبحنا في سباق على المركز الأول ليس في مكارم الأخلاق ولا في التقوى بحسبنا أفضل معيار جعله الله مقياسًا لتفاضل البشر.. بل صرنا نتنافس على المركز الأول في لبس الثياب الفاخرة ومن لبِسَ قبل مَن، ومَنْ سافر قبل مَنْ.. ونسينا في زمن الشكليات أن نربي أولادنا على الجوهر وحسن الخلق وكريم الخصال.. غاب الدور التربوي للأسرة وتلاشى التأثير الحقيقي للمدرسة والجامعة.. وللحديث بقية!