الفن وسنينه
مطرح مطروح جرعة جيدة من الكوميديا رغم الفقر الإنتاجي!
الكوميديا أحد الألوان الفنية المحببة إلى عموم الجماهير على اختلاف أذواقها ومراحلها العمرية، فيقبل عليها الجميع لأنها بمثابة المتنفس والمخرج والاستراحة الوقتية في ظل الظروف القاسية التي نعاني منها خاصةً في السنوات الأخيرة، ورغم ذلك فهي من أكثر هذه الألوان صعوبةً، لكونها تحتاج إلى نوعيات مختلفة ومجهودات مضاعفة على مستويات الكتابة والتمثيل والإخراج والإنتاج، فلا يصلح لتقديمها إلا القليلون..
ومن ثم ليس من السهل بمكان أن تصنع فيلمًا كوميديًا جيدًا فنيًا ويحقق نجاحًا جماهيريًا كبيرًا في آن واحد، ومع ذلك نجد أن أكثر من ثلثي الأفلام التي يتم إنتاجها سنويًا في مصر من النوع الكوميدي، وذلك منذ أن سيطر جيل هنيدي وعلاء ولي الدين من المضحكين الجدد على السينما، ولكن في السنوات الأخيرة لم تعد تحقق غالبية هذه الأفلام المعادلة الصعبة بالجمع بين الجودة الفنية والنجاح الجماهيري على مستوى الإيرادات! حيث طغت الناحية التجارية على الناحية الفنية في كثير من هذه الأفلام.
فانتازيا كوميدية
دعاني صديقي العزيز القديم المخرج الكبير وائل إحسان إلى حضور العرض الخاص لأحدث أفلامه مطرح مطروح والمقرر إقامته بدار عرض أحد المولات التجارية الشهيرة بمدينة ٦ أكتوبر، ورغم أنني سئمت الظهور في مثل هذه العروض خلال السنوات الأخيرة، لأنها صارت مرتعًا ومقصدًا لكل من هب ودب ممن لا علاقة لهم بمهنة الصحافة وللفتيات الباحثات عن الشهرة بأي وسيلة..
فضلًا عما تشهده هذه العروض من هرج ومرج وازدحام شديد يفقدك كل شغف الاستمتاع بجديد السينما، إلا أنني لم أكن أستطع رفض هذه الدعوة الكريمة التي تعلن عودة وائل إحسان للسينما بعد غياب 5 سنوات منذ فيلم اطلعولي بره، فهو واحد من أفضل مخرجي الكوميديا في العقدين الأخيرين بمجموعة من الأفلام التي حصدت معظمها النجاح على المستوي الفني ومستوى الإيرادات ومنها.. اللي بالي بالك لمحمد سعد، زكي شان وظرف طارق ومطب صناعي لأحمد حلمي، عندليب الدقي وآمير البحار ورمضان مبروك أبو العلمين حمودة لمحمد هنيدي..
شاهدت الفيلم وسط بعض صناعه على رأسهم النجم القدير محمود حميدة وإن تغيب معظمهم، إضافةً إلى عدد من الفنانين منهم نضال الشافعي وجمال عبد الناصر ومحمد عبد الرحمن توتا ومحمد جمعة ومحمد محمود، الفيلم تأليف محمد عز وبطولة محمود حميدة وشيماء سيف وكريم عفيفي وليلى أحمد زاهر مع سامي مغاوري والممثل الانجليزي المتخصص في الفنون القتالية سكوت أدكينز والمعروف ب ' Boyka ' وهي الشخصية التي جسدها في أحد سلسلة أفلام ' Undisputed '، إضافةً إلى عدد من ضيوف الشرف مثل طارق الإبياري وليلى عز العرب..
فكرة الفيلم تمزج بين الخيال والحقيقة في قالب كوميدي وتدور في فترة الأربعينيات من القرن الماضي حول بديع أفندي أو محمود حميدة وهو موظف حكومي بسيط يعيش مع زوجته الثانية حسنية - شيماء سيف وابنته الشابة نوال - ليلى أحمد زاهر من زوجته الأولى الراحلة، وشقيقه الأصغر الذي يعمل مهندسًا زراعيًا فريد - كريم عفيفي كل حلم هذه الأسرة الصغيرة أن تسافر إلى مرسى مطروح في إجازة صيف لمدة أسبوع!
وعلى مدار سنوات عديدة تحاول تحقيق ذلك الحلم المراوغ ولكن هيهات! ففي كل مرة ينجح فيها بديع أفندي في الفوز بإجازة من عمله يقع حادث طارئ يحول دون هذا الحلم!، إلى أن حدثت المعجزة أخيرًا فحزم الجميع أمتعتهم يملأهم الأمل والسعادة واستقلوا سيارة بديع الخاصة في طريقهم إلى مرسى مطروح وعند وصولهم كانت في انتظارهم مفاجأة مدوية غيرت كل خططهم..
حيث وجدوا أن الحرب العالمية الثانية الدائرة بين قوات الحلفاء بزعامة بريطانيا وقوات المحور بقيادة ألمانيا تشتعل أمام الشاليه الذي يقيمون به في مطروح! وأنهم مهددون بالموت لو خرجوا منه للاستمتاع بالبحر، ولكنهم رغم ذلك حاولوا مرارًا وتكرارًا الوصول إلى البحر دون جدوى!.وصارت مشكلتهم مشكلة عالمية وصلت إلى الزعيمين المتحاربين تشرشل رئيس ووزراء بريطانيا وهتلر زعيم ألمانيا فحضرا إلى مطروح وأستمعا إلى تفاصيل هذه الشكوى من بديع وأسرته!
أضحك ولا تفكر
مطرح مطروح، فيلم كوميدي صرف خفيف ولطيف يصلح أن تشاهده وسط أسرتك بلا حرج، فهو من نوعية أفلام الضحك للضحك فقط لا أكثر فلا تحمله أزيد من ذلك، ولا تحاول أن تفكر أو تبحث عن مغزى أو مورال عميق يقصده المؤلف فهو ليس بموجود، فقط استمتع وأضحك ولا تلتفت لمن يقول لك أن بالفيلم عدة أخطاء في التصوير والراكوارات والجرافيك والملابس فهذا لا أهمية له أمام الحالة التي صنعها الفيلم من البهجة والمرح..
وهذا أحد أدوار الفن في المجتمع وأمام المجهود الكبير الواضح الذي بذله المخرج وائل إحسان وكل فريق العمل والممثلون في ظروف صعبة جدًا من حيث درجة الحرارة المرتفعة في الصحراء، يتقدمهم النجم محمود حميدة الذي يغامر بهذا الدور الكوميدي الخالص ولكنه نجح فيه بدرجة كبيرة بعيدًا عن أي حسابات أخرى، شيماء سيف الطاقة الكوميدية الكبيرة التي نجح المخرج في إخراج أفضل مالديها في الفيلم، كريم عفيفي في دور يحسب له، وكذلك 'البنوتة 'الجميلة الواعدة ليلى أحمد زاهر..
أما المدعو سكوت أدكينز أو بويكا فلا أعرف سبب واحد لوجوده بالفيلم فلا محل له من الإعراب! غير أغراض الدعاية فقط من قبل المنتج لسابق عمله معه في فيلم حرب كرموز بطولة آمير كرارة قبل 6 سنواتٍ! وفي النهاية مطرح مطروح فيلم جيد من الناحية الكوميدية وإن كان قد ظلمه الفقر الإنتاجي!