رسائل من هجرة المصطفى
اليوم نستقبل ثاني أيام العام الهجرى الجديد الذي ينبغي أن يكون فرصة لمراجعة النفس واستلهام العبرة والعظة؛ بالهجرة حدث عظيم في تاريخ الأمة والبشرية كلها ذلك أنها استقبلت عهدا جديدا من سمو الرسالات لخاتم الأنبياء، وهو ما ينبغي ألا يمر مرور الكرام بل يجب قراءة الهجرة النبوية من منظور مغاير لمعرفة كم ضحى النبي الكريم لأجل أن تصل دعوته للناس هادية ومبشرة بقيم جامعة للنبوات قبله وللرسالات السماوية التي سبقت عهده صلى الله عليه وسلم.
للهجرة أسباب لا تخفى لخصها رسول الإسلام بقوله مخاطبا مكة المكرمة التي ضاق به أهلها ذرعا رغم أنها البلد المحبب إلى قلبه بقوله: "والله لأنت أحب البلاد إلى قلبي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت"؛ ذلك أن العدوان والتآمر على سيد الخلق بلغ مبلغا خطيرا، فقد جمعت له قريش من كل قبيلة فتى فتيا ليقتلوه حتى يتفرق دمه بين القبائل.
دروس الهجرة النبوية
لكن الله عصمه من الخلق فصدر الأمر من السماء وأذن الله بالهجرة يقول الله تعالى: "فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ" بعد أن ناله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما يصعب احتماله، وأصاب رفاق دربه ألوان من العنت والتضييق والعذاب جعلت حياتهم في مكة مستحيلة فهاجر النبي وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم من آمن معه بالهجرة إلى المدينة المنورة.
وضرب الصحابة أعظم الأمثلة وأروع القصص في التضحية والفداء، حينما فارقوا أرضهم وأموالهم وأهلهم في هجرة غيرت مسارهم وغيرت وجه التاريخ الإنساني كله، ولا ننسى أن النبي ترك مكة مضطرا مجروح القلب ملتاع الفؤاد رغم ما يسكن قلبه من حب عظيم لوطنه.. وتلك رسالة أخرى في حب الاوطان.
للهجرة دروس عظيمة فإذا ضاقت بك السبل فأرض الله واسعة.. يقول الله تعالى: “قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا”.. أمتنا اليوم أحوج ما تكون لاستلهام دروس الهجرة في كل مكان، وأهمها إحراز الأسباب والتخطيط، والدقة، واحترام الوقت، والنظام، والنظافة، وجودة الأداء، وإتقان فن الإدارة التي هى سر كل نجاح، ثم نتوكل على الله خالق الأسباب كلها.. هكذا هي هجرة المصطفى ولا هجرة بعد الفتح.
ومن ثم فإن هجرة أمته ينبغي أن تكون هجرة للمعاصي والذنوب والكسل والعجز والتوكل والخرافة وكل موبقات التخلف، والأخذ بأسباب العلم والقوة حتى تتحقق غاية الرسالة التي جعلها الله للناس أجمعين.