رئيس التحرير
عصام كامل

أبو الزهراء يكافئ مادحيه (4)

يبدأ كعب بن زهير لاميته المشهورة بالنسيب، ثم يعرج إلى استعطاف النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، للعفو عنه:

فَلا يَغُرَّنَكَ ما مَنَّت وَما وَعَدَت    إِنَّ الأَمانِيَ وَالأَحلامَ تَضليلُ

يَسعى الوُشاةُ بِجَنبَيها وَقَولُهُم      إِنَّكَ يَا بنَ أَبي سُلمى لَمَقتولُ

وَقالَ كُلُّ خَليلٍ كُنتُ آمُلُهُ           لا أُلفِيَنَّكَ إِنّي عَنكَ مَشغولُ

فَقُلتُ خَلّوا طَريقي لا أَبا لَكُمُ        فَكُلُّ ما قَدَّرَ الرَحمَنُ مَفعولُ

 

كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ     يَومًا عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ

أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني         وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ

مَهلًا هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ ال    قُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ

لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ وَلَم        أُذِنب وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ

 

لَقَد أَقومُ مَقامًا لَو يَقومُ بِهِ            أَرى وَأَسمَعُ ما لَو يَسمَعُ الفيلُ

لَظَلَّ يُرعَدُ إِلّا أَن يَكونَ لَهُ         مِنَ الرَسولِ بِإِذنِ اللَهِ تَنويلُ

مازِلتُ أَقتَطِعُ البَيداءَ مُدَّرِعًا      جُنحَ الظَلامِ وَثَوبُ اللَيلِ مَسبولُ

حَتّى وَضَعتُ يَميني لا أُنازِعُهُ     في كَفِّ ذي نَقِماتٍ قيلُهُ القيلُ

 

 

لَذاكَ أَهَيبُ عِندي إِذ أُكَلِّمُهُ          وَقيلَ إِنَّكَ مَسبورٌ وَمَسؤولُ

مِن ضَيغَمٍ مِن ضِراءَ الأُسدِ مُخدِرَةً  بِبَطنِ عَثَّرَ غيلٌ دونَهُ غيلُ

يَغدو فَيَلحَمُ ضِرغامَين عَيشُهُما       لَحمٌ مِنَ القَومِ مَعفورٌ خَراذيلُ

إذا يُساوِرُ قِرنًا لا يَحِلُّ لَهُ             أَن يَترُكَ القِرنَ إِلّا وَهُوَ مَفلولُ

 

مِنهُ تَظَلُّ حَميرُ الوَحشِ ضامِرَة      وَلا تُمَشّي بِواديهِ الأَراجيلُ

وَلا يَزالُ بِواديِهِ أخَو ثِقَةٍ             مُطَرَّحُ البَزِّ وَالدَرسانِ مَأكولُ

مديح الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، وأصحابه

ثم ينتقل إلى مديح الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، وأصحابه، على طريقته، وعلى قدر تفكيره، ومشاعره:

إِنَّ الرَسولَ لَسَيفٌ يُستَضاءُ بِهِ        مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ

في عُصبَةٍ مِن قُرَيشٍ قالَ قائِلُهُم     بِبَطنِ مَكَّةَ لَمّا أَسَلَموا زولوا

زَالوا فَمازالَ أَنكاسٌ وَلا كُشُفٌ      عِندَ اللِقاءِ وَلا ميلٌ مَعازيلُ

شُمُّ العَرانينِ أَبطالٌ لَبوسُهُمُ           مِن نَسجِ داوُدَ في الهَيجا سَرابيلُ

بيضٌ سَوابِغُ قَد شُكَّت لَها حَلَقٌ       كَأَنَّها حَلَقُ القَفعاءِ مَجدولُ

يَمشون مَشيَ الجِمالِ الزُهرِ يَعصِمُهُم  ضَربٌ إِذا عَرَّدَ السودُ التَنابيلُ

لا يَفرَحونَ إِذا نالَت رِماحُهُمُ          قَومًا وَلَيسوا مَجازيعًا إِذا نيلوا

لا يَقَعُ الطَعنُ إِلّا في نُحورِهِمُ         ما إِن لَهُم عَن حِياضِ المَوتِ تَهليلُ

 

هذه الظروف تؤكد أن كعب بن زهير لم يقل قصيدته وهو مأخوذ بعاطفة قوية تسمو به إلى روح التصوف الجميلة، إنما هي قصيدة من قصائد المديح، تقال حين يرجو قائلها أو يخاف، وليست من المدائح النبوية التي نعنيها..هي قصيدة قوية، من قصائد الجاهلية، تغلب عليها قوة الصياغة، وجزالة الكلمات ومتانة الألفاظ، ولكنها تخلو من روح الدين.

الجريدة الرسمية