أبو الزهراء يكافئ مادحيه (3)
نتحدث اليوم عن كعب بن زهير، الذى صاغ قصيدة "بانت سعاد"، مادحا بها النبي، صلى الله عليه وآله وسلم.
هو كعب بن زهير بن أبي سلمى المازني أبو المضَّرب. شاعر عالي الطبقة من أهل نجد، كان ممن اشتهر في الجاهلية، ولما ظهر الإسلام هجا النبي صلى الله عليه وسلم، وأقام يشبّب بنساء المسلمين، فأهدر النبيّ دمه فجاءه كعب بن زهير مستأمنًا، وقد أسلم وأنشده لاميته المشهورة، فعفا عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم وخلع عليه بردته وهو من أعرق الناس في الشعر.
فهذه القصيدة لم تنظم إلا من أجل النجاة من القتل.. فقد خرج هو وأخوه بجير إلى رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وحين اقتربا، قال لأخيه: الحق بالرجل، وأنا مقيم ههنا، فانظر ما يقول لك. فقدم بجير على رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، فسمع منه وأسلم، وبلغ ذلك كعبا فقال:
أَلا أَبلِغا عَنَي بُجَيرًا رِسالَةً فَهَل لَكَ فيما قُلتَ بِالخَيفِ هَل لَكا
شَرِبتَ مَعَ المَأمونِ كَأسًا رَوِيَّةً فَاِنهَلَكَ المَأَمونُ مِنها وَعَلَّكا
وَخالَفَت أَسبابَ الهُدى وَتَبِعتَهُ فَاِنهَلَكَ المَأَمونُ مِنها وَعَلَّكا
عَلى خُلُقٍ لَم تُلفِ أُمًّا وَلا أَبًا عَلَيهِ وَلَم تُدرِك عَلَيه أَخًا لَكا
وبعث بها إلى بجير، فكره أن يكتمها رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، فأنشده إياها.. ثم قال بجير لكعب:
من مبلغ كعبا فهل لك في التي تلوم عليها باطلا وهي أحرم
إلى الله لا العزى ولا اللات وحده فتنجو إذا كان النجاة وتسلم
لدى يوم لا ينجو وليس بمفلت من الناس إلا طاهر القلب مسلم
فدين زهير وهو لا شيء دينه ودين أبي سلمى عليَّ محرمُ
فلما وصل الكتاب إلى كعب بن زهير اكتأب، وأشفق على نفسه، وتحدث أعداؤه، وأيقنوا بأنه مقتول.. فلما لم يجد أملا، قال قصيدته التي يمدح فيها النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، ثم خرج حتى وصل إلى المدينة، فنزل على رجل من جهينة، فغدا به إلى رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم..
فقال: هذا رسول الله.. قم إليه فاستأمنه (أي اطلب منه الأمان)، فقدم حتى جلس إليه، فوضع يده في يده، صلى الله عليه وآله وسلم، وكان رسول الله لا يعرفه، فقال: يا رسول الله؛ إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائبا مسلما، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به؟
فقال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: نعم.. فقال: أنا، يا رسول الله، كعب بن زهير ثم أنشده "بانت سعاد":
بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُجزَ مَكبولُ