جوائز الدولة.. أين حيثيات المنح والمنع؟!
لا شك أن جوائز الدولة بمختلف أنواعها تعكس التقدير العام للمبدعين والنابغين والمثقفين، وهي بالطبع تخلق ردود أفعال إيجابية في الوسط الثقافى وتشجع على الإبداع وتحفز على الاجتهاد والابتكار.
جوائز الدولة 2023، جرى إعلانها بعد التصويت عليها فى اجتماع المجلس الأعلى للثقافة.. وهذا هو التقليد المتبع، وكنت أرجو لو جرى تعديل هذا التقليد بأن يتم إعلان حيثيات الفوز بالجائزة لكل فرع كما هو الحال في جائزة نوبل أشهر الجوائز على وجه البسيطة.
مثل هذا الطلب له ما يبرره؛ فالبعض يرى أن جوائز الدولة رغم أنها جاءت في مجملها جيدة هذا العام لكن ذلك لم يمنع التساؤل: لماذا أخطأت جائزة النيل في الفنون مثلا طريقها للفنان العبقري يحيى الفخراني.. وذهبت إلى الفنان التشكيلي عبد السلام عيد، وهو بالطبع اسم كبير لا يقدح السؤال هنا في جدارته ولا استحقاقه للجائزة..
وهو ما يؤكد ما ذهبنا إليه من ضرورة الإعلان عن حيثيات كل اختيار حتى ولو كانت هناك منافسة قوية بين كل المرشحين كما حدث بين كل من الدكتورعلي الدين هلال والدكتور صابر أبو عرب.. وكلاهما أشهر من الجوائز ذاتها.. لكن الجائزة استقرت عند الأول وتخلت عن الآخر!!
لكن يبدو أن الفن التشكيلي كان له الصوت الأعلى فى جوائز الدولة هذا العام؛ حيث حصل الفنان عبد السلام عيد على جائزة النيل فى الفنون والفنان العراقي ضياء الغزاوي على جائزة النيل العربية.
معايير المنح والمنع
تكريم الراحلين يبقى هو الأصدق حفاوة والأبلغ دلالة على الوفاء؛ ذلك أنه ينطوي على لمسة إنسانية لا يأتيها النفاق ولا المجاملة ولا الشللية من يديها ولا من خلفها؛ وهو ما نراه تحقق مع الدكتور محمد عناني الذي توج بجائزة النيل فى الآداب بعد رحيله، وهو ما يراه البعض تكريما تأخر عن رائد من رواد الترجمة الذي يضن الزمان بمثله..
وقد كان الدكتور محمد عناني يستحقها منذ زمن طويل، وليته حصل عليها فى حياته، لكن أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا.. فالرجل فوق أنه مترجم قدير، كتب عددًا من المسرحيات العربية التي عُرضت في القاهرة والمحافظات المصرية (سبعًا أصلية وثلاثًا مُعدّلة وثلاثًا مُترجَمة) بين عامي 1964 و2000. وكان محرّرا لمجلة المسرح المصري منذ عام 1986، ومحررا مشاركا للمجلة الثقافية الشهرية سطور من عام 1997 وحتى 2007 وهذا غيض من فيض إبداعه رحمه الله.
أهم الملاحظات في رأيى هى حجب 6 جوائز لم يتقدم إليها أي عمل، مما اضطر اللجنة لاستدعاء أعمال من الخارج، بعضها فاز بالجائزة، وبعضها تم حجبه لأن الأعمال لا ترقي لنيل جائزة الدولة التشجيعية، صحيح أن الرقم المحجوب ليس كبيرا مقارنة بما جرى مثلا منذ سنوات قليلة حين تم حجب 22 جائزة..
وهو ما قد يدفع البعض للتساؤل: لماذا يحجم المبدعون عن المشاركة في تلك الفروع أم أن مصر نضب إبداعها في مثل تلك الفروع.. أم أن الحوافز لم تكن مغرية للمشاركة أم أن الدعاية لم تكن كافية.. ومن يتحمل مسئولية الحجب إذن؟!
جوائز الدولة مهمة ومن ثم يحدونا الأمل أن تعلن معايير المنح والمنع بوضوح حتى نمنع القيل والقال.. وحتى تتعاظم مصداقية جوائز الدولة التي نتمنى منحها لكل مبدع صاحب مشروع وطني وضمير مخلص وعطاء مثمر لهذا البلد.. نرى تأثيره بارزا ناصعا لا يأتيه الشك ولا الريبة من بين يديه ولا من خلفه..
مبروك للفائزين بجوائز الدولة وحظا أوفر لمن لم يحالفه التوفيق هذا العام.. وكل عام ومصرنا ولادة ومبدعة ومتميزة وقوتها الناعمة بألف خير.