رئيس التحرير
عصام كامل

الهَجْر الذي ظلمناه!

هَجْر الزوجة ليس هدفًا في ذاته وإنما وسيلة علاج بضوابط وقيود، فإذا كان في استمراره وبال على الأسرة، فمن الأفضل للزوج أو حتى الزوجة التراجع عنه، والتحلي بالحكمة والصبر والبعد عن مُسبِّبات التوتُّر؛ كالانتقاد والاستهزاء أو رفع الصوت وغيرها، وأن يتسامحا قبل أن يتسع الخرق على الراتق وتبوء علاقتها الزوجية بالفشل.. ولنا في رسول الله أسوة حسنة، فقد غضب من زوجاته غير مرة، وقد فَعَلْنَ ما أثار غضبه مرات؛ لكنه صلى الله عليهوسلم  لم يهجر إحداهن أبدًا على فعلٍ أغضبه، إلا بأمر من الله.


لقد كثر هجر الأزواج لزوجاتهم ومن ثم أولادهم في عصرنا حتى استفحلت ظاهرة المرأة المعيلة التي تتحمل فوق طاقتها إذا هجرها زوجها أو مات عنها؛ حفاظًا على الأولاد من التشرد والضياع،  كما خلق الهجر ظاهرة أخرى موازية، وهي الغارمات اللاتي يقترضن لأجل الإنفاق على الأسر ثم يعجزن لضيق ذات اليد عن سداد ما عليهن من ديون تفضي بهن إلى السجن.


وظنى أن كثيرًا من الأزواج الهاجرين لزوجاتهم يجهلن معنى الهجر المنصوص عليه في القرآن، وهو كما يقول الإمام الأكبرالدكتور أحمد الطيب، ليس مطلقًا كما تصور لهم أنفسهم بل مقيد بهجر المضجع (أي موضع النوم) وليس غرفة النوم!

لماذا هجر المضجع؟


يقول الإمام الطيب إن هناك بعض الزوجات ممن يستبد بهن الفكر الطائش المتعجل، ويجدن متعة في التمرد ومواصلة العناد، ويستنكفن عن الاستماع للنصيحة ويمعن في الخصومة واللجاج، وهنا يلفت القرآن الكريم أنظار المؤمنين به إلى نوع من العلاج لا يتعامل مع العقل هذه المرة..

 

وإنما يتعامل مع المشاعر والأحاسيس التي كانت سببا في نشوز الزوجة وتعاليها، وهذا النوع المتقدم من علاج النشوز هو: هجر الزوجة الناشز في المضجع؛ أى في المكان الذي يجمع الزوجين ويأويان إليه معا كل ليلة، موضحا فضيلته أن الهجر في هذا المكان من شأنه تنبيه الزوجة إلى خطر الطريق الذي قررت السير فيه. 


أما لماذا هجر المضجع؛ أي مكان النوم فقط؛ لأنه المكان الطبيعي الذي يثمر فيه الهجر شعورا بالحرمان من الطمأنينة والسكن والأنس الذي يشعر به الأزواج عادة حين يأوون إلى مضاجعهم، وليس المراد كما يفهم كثيرون أنه ترك غرفة النوم إلى غرفة أخرى أو مكان آخر، فهذا تصرف غير مقبول شرعا، لأنه تزيد في الدين لم يأذن به الله.. 

 

وثانيا: لما يؤدي إليه هذا التصرف من ازدياد الجفوة بين الزوجين، وابتعاد كل منهما عن الآخر، وهو عكس المطلوب من الأمر الإلهي بتحديد «الهجر» في هذا المكان.

 


أما إذا فشل هذا العلاج، واستمرت الزوجة في تمردها ونشوزها، فإن هناك علاجا أخيرا للنشوز ورد في قوله تعالى: "وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا" وليس المقصد من الضرب لحالة النشوز هو إهانة الزوجة الناشز أو إذلالها أو المساس بآدميتها بل لإعادتها لصوابها في تحمل المسئولية، والقول بغير ذلك افتراء وكذب على كتاب الله وشريعته.

الجريدة الرسمية