إدارة البيئة الصفية.. فن التوجيه وعلم القيادة
عزيزى القارئ نتناول فى هذا المقال موضوع الإدارة الصفية، والتى تعد بإجماع علماء ومفكرى التربية والتعليم من أهم مهارات التدريس الفعال، والتى إذا ما أحسن المعلم القيام بها وتنفيذها على أكمل وجه لتحولت غرفة الصف إلى بيئة تعليمية آمنة، وداعمة، وجاذبة، وممتعة، وملائمة لعمليتى التعليم والتعلم.
وقد ظهرت تعريفات ومعان متعددة لمصطلح إدارة الصف، منها التعريفات التقليدية التى اقتصرت من خلالها مهارات إدارة الصف على تهيئة الظروف والشروط المؤثرة على فاعلية عملية التعلم من تنظيم البيئة الفيزيقية لغرفة الصف (أثاث وتجهيزات ومواد ووسائل)، وحفظ النظام والانضباط، وذلك من خلال إصدار المعلم القواعد والتعليمات لتعزيز سلوك المتعلمين..
وهناك التعريفات الحديثة التى ركزت على البعد النفسى والاجتماعى والسلوكى، فعرفت إدارة الصف بأنها جميع عمليات التوجيه والقيادة والجهود والإجراءات المنظمة المخطط لها، سواء كانت لفظية أو عملية، والتى يقوم بها المعلم ليشجع المتعلمين على التفاعل والانخراط النشط الفعال بالتعلم، وما ينشأ عن هذه العمليات والجهود من توفير مناخ صفى فعال تسوده العلاقات الإنسانية الإيجابية بين المعلم وطلابه وبين الطلاب وأنفسهم..
مما يساعدهم فى إحداث التغيير نحو الأفضل فى سلوكياتهم وميولهم واستعداداتهم وصقل مواهبهم وقدراتهم، ونلاحظ أن إدارة الصف بهذا المعنى الحديث عملية تشاركية بين المعلم والمتعلم، هدفها توظيف كافة الإمكانات المتاحة لتنمية شخصية المتعلم.
إدارة العلاقات البشرية
يحيا الطلاب والمعلمون فى غرفة الصف حياة مشتركة، أنهم مجموعة بشرية يقضى أفرادها وقتًا طويلًا معًا، وتتعرض حياتهم فى غرفة الصف لنفس المؤثرات التى تتعرض لها حياة أي مجموعة بشرية تعيش معًا فى أي مكان آخر، فالاحتمالات كلها واردة: الحب والكره، الصداقة والعداوة، المتعة والملل، السعادة والتعاسة، الفرح والحزن، النجاح والفشل، والسلم والعدوان، والإقبال والإعراض، وتلعب مهارات المعلم فى إدارة العلاقات البشرية دورًا مهمًا فى تحديد شكل الحياة التى ستسود فى غرفة الصف.
وقد تعددت النظريات المفسرة لإدارة البيئة الصفية؛ فمنها النظريات الحديثة مثل: النظرية الوقائية، والنظرية العلاجية، وهى تعتمد على المدخل الديمقراطى فى الإدارة، وترقى هذه النظريات بعملية إدارة الصف إلى كونها قيادة لعلاقات بشرية هدفها تحقيق الأهداف المخطط لها، وزيادة التفاعل بين المعلم والطلاب، مما يحفز الجميع على العمل بروح الفريق..
وتتحول قيادة المعلم للصف إلى قوة تأثير تلهم الطلاب وتوحد جهودهم وتحثهم على النجاح، أما عن النظريات التقليدية مثل: النظرية التأجيلية، والنظرية الانتقامية، فنجدها تستند إلى المدخل التسلطى الذى يركز على السلطة الرسمية للمعلم، وإذعان الطلاب لهذه السلطة.
ويعتقد بعض المعلمين وخاصة الجدد منهم أن عملية إدارة الصف عملية سهلة، إلا أنها تتطلب فى الحقيقة عناية وخبرة كبيرة، فكثير من المعلمين يقضون جزءًا كبيرًا من وقت الحصة فى ضبط الصف وإدارته وتوفير المناخ المناسب للتعلم مما يؤثر سلبًا على العملية التعليمية التعلمية ومسيرتها، وإذا امتلك المعلم مهارات إدارة الصف لساعده ذلك فى تقليل نسبة الوقت الضائع، وزادت نسبة الوقت المخصص للتعلم، وزاد انهماك الطلاب فى الأنشطة التعليمية المختلفة.
وتعد إدارة الصف فنا وعلمًا فى آن واحد، فمن الناحية الفنية تعتمد هذه الإدارة على شخصية المعلم وأسلوبه فى التعامل مع الطلاب داخل الصف وخارجه، كما تعد إدارة الصف علمًا له تعريفه وقواعده وأصوله وإجراءاته، أنها عملية إنسانية تربوية مستمرة تعمل على استثمار كافة عناصر العملية التعليمية المتاحة استثمارًا أمثل، وذلك عن طريق التخطيط، والتنظيم، والتنسيق، والتوجيه، والإشراف، والمتابعة، والرقابة، والتقويم، والتعزيز للوصول إلى أهداف محددة.
ولكى يدير المعلم الصف بفاعلية عليه القيام بالعديد من المهام، ومنها المهام الإدارية الروتينية العادية التى ينبغى عليه ممارستها والإشراف على إنجازها وفق تنظيم يتفق عليه مع طلابه، مثل: تفقد الحضور والغياب، والإشراف على نظافة الصف، وتهويته، وإضاءته، والمحافظة على ترتيب مناسب للمقاعد، وتأمين الوسائل والمواد التعليمية، أما عن المهام المتعلقة بتنظيم عملية التفاعل الصفى سواء التعليمى، أو الأخلاقى، أو العاطفى، فهى التى تتضمن تنمية الإحساس بالمسئولية والضبط الذاتى والاحترام المتبادل والتواصل الدائم والمثمر بين المعلم وطلابه.
ولكى تدير عزيزى المعلم الصف إدارة فعالة فعليك التخطيط لهذه العملية بأن تنظم أفكارك وترتبها، وأن تؤمن بأن الإدارة الصفية تعنى علاقات إنسانية فعالة، فإذا أردت أن يفهمك الطلاب فعليك أن تفهمهم وتحترم مشاعرهم، وإذا أردت زيادة دافعيتهم للتعلم فعليك أن تعززهم، واعلم أنه إذا اختلت إدارة الصف لن تتحقق أهداف الدرس.
وعليك عزيزى المعلم أن تتوقع حدوث بعض المشكلات والأخطاء أثناء إدارتك للصف، تلك المشكلات تستهلك وقت الحصة، وقد تم تصنيفها إلى مشكلات عابرة، وبسيطة، وحادة، ومتفاقمة، ومن أبرز ها عمومًا: شرود ذهن المتعلمين وعدم الانتباه، والتحدث دون إذن، والانشغال فى إعداد أدواتهم، ومغادرة المقعد والحركة الزائدة، والثرثرة والضحك، واللعب فى أثناء الحصة..
وطرح الأسئلة غير المرتبطة بموضوع الدرس، وعدم النظام، وفوضى الإجابة عن الأسئلة، واستخدام الهاتف المحمول، والعبث بالمرافق، والغش فى الاختبارات، والعنف، والتنمر وتدنى الأخلاق، وقد يسبب ذلك لك عزيزى المعلم بعض من القلق والتوتر وعدم الرضا، ولكن عليك المبادرة إلى تحليل هذه المشكلات والأخطاء لمعرفة أسبابها وكيفية علاجها، وعليك أن تضع خطة لمواجهة الإخفاق بمشاركة طلابك، وأن تستفيد من الأخطاء، ولا تيأس وإن تبث الروح المعنوية العالية عند الطلاب.
وللحديث بقية فى الأسبوع المقبل بمشيئة الله تعالى.