رئيس التحرير
عصام كامل

طرق التدريس بين الماضى والحاضر

دعونا نتساءل في بداية هذا المقال عن الهدف الأساسى للعملية التدريسية، سنتوصل بعد التفكير والبحث إلى أنه يتمثل فى تنمية وتطوير شخصية المتعلمين وسلوكياتهم، من خلال مساعدتهم على اكتساب المعارف والمهارات والاتجاهات والقيم الأخلاقية.


ولكى ينجح المعلم فى تحقيق تلك التنمية التى تمثل نواتج ومخرجات التعلم المرغوبة، فعليه اختيار الطريقة المناسبة فى التدريس، التى تعد دون مبالغة أكثر عناصر المنهج تحقيقًا للأهداف، فهى التى تحدد دور كل من المعلم والمتعلم فى العملية التعليمية، وهى التى تحدد الأساليب والمصادر والوسائل التعليمية الواجب استخدامها، والأنشطة التعليمية الواجب على المتعلمين تنفيذها.


غير أنه من الملاحظ وجود عدد كبير من المعلمين الذين يحملون علمًا غزيرًا، ولكنهم يعجزون عن توصيل هذا العلم إلى الطلاب، بسبب سوء اختيار أو تنفيذ طريقة التدريس، وذلك يعنى أن نوعية التدريس المقدمة للطلاب تتوقف على الطريقة وأسلوب التعليم والتعلم، وهذا هو ما يجعل التدريس فعالًا قادرًا على إحداث التغيير المطلوب أو العكس.


ومن التعريفات الشائعة لطريقة التدريس كونها أيسر السبل التى يسلكها المعلم لبلوغ الأهداف التربوية والتعليمية التى ينشدها، ويشترط فى طريقة التدريس الناجحة: أن تكون هادفة، واقتصادية، ومتنوعة، وشاملة، ومناسبة للمعلم وللمتعلم وللمادة التعليمية ولطبيعة العصر ومتطلباته فى ظل الثورة المعرفية والتكنولوجية..

 

 وأن تستند على أحدث المداخل والنظريات التربوية والنفسية، وأن توفر الفرص المناسبة لمشاركة الطلاب وتبادلهم الآراء والخبرات، وأن تثير حماسهم ودافعيتهم للتعلم، وأن تراعى الفروق الفردية بينهم، وأن تعمل على تطوير أنفسهم بالبحث والتفكير والتطبيق الفعلى للخبرات المكتسبة فى مجالات الحياة العملية المختلفة.

مهنة التربية والتعليم


وإذا بحثنا عن طرق التدريس فى الماضى وحددنا اتجاهاتها ومساراتها، لوجدناها حتى وقت قريب تطبق المفهوم التقليدى للمنهج، الذى يعتبر المادة الدراسية محورًا ترتكز عليه العملية التعليمية، ولهذا كانت هذه الطرق تهدف إلى إكساب المتعلمين أكبر كم معرفى ممكن من الحقائق والمفاهيم والقوانين والنظريات وحفظها واسترجاعها فيما بعد..

 

أي كانت تقتصر وتعتمد بالدرجة الأولى على جهــد المعلم فى توصيل المعرفة للمتعلمين من خلال المصدر الوحيد لها والمتمثل فى الكتاب المدرسى، أما الطرق التدريسية الحديثة فقد طورت من نفسها، من خلال تغيير نظرتها إلى المتعلم واعتبرته عنصرا نشطا ومحوريا في العملية التعليمية.. 

 

وأصبحت تركز على جهده ونشاطه وقدراته وميوله فى عملية التعلم، كما تدعو إلى توسيع القاعدة المعرفية للمتعلمين من خلال استنادها إلى مصادر تعليمية متعددة، وبهذا نجدها تطبق أفكار التربية الحديثة التى تنادى بتعليم التلميذ كيف يتعلم وبتفعيل التعلم الذاتى، وتسعى إلى تطبيق الحكمة الشعبية التى تقول: لا تصطد لى سمكة ولكن علمنى كيف أصيد، فالتعلم يكون أفضل عندما تكون هناك دافعية ذاتية ومشاركة حقيقية من المتعلم.


أما عن تصنيفات وأنواع طرق التدريس فهى متعددة، ويرجع هذا التعدد إلى اختلاف الأساس الذى تصنف الطرق بناء عليه، فيفرق البعض بين طرق التدريس اعتمادا على البعد الزمنى فيصنفها إلى طرق قديمة تقليدية وأخرى حديثة، بينما يصنفها البعض اعتمادا على مقدار الجهد المبذول من المعلم والمتعلم..

 

والبعض الآخر يصنفها إلى طرق عامة وخاصة اعتمادا على طبيعة المواد الدراسية، ويصنفها آخرون تبعا لعدد الطلاب إلى طرق التدريس الفردى والجمعى، ومن التصنيفات الحديثة لطرق التدريس تقسيمها إلى طرق تدريس تعتمد على التفاعل المباشر بين المعلم والطلاب، وطرق تدريس تعتمد على التفاعل غير المباشر بينهم مثل الويب كويست والحقائب التعليمية والتعليم المبرمج.


ومما لا شك فيه أن مهنة التدريس تعد من أشرف المهن وأصعبها، لأنها تختص بصناعة الإنسان، وهل هناك أصعب من صناعة الإنسان؟ إنها مهنة التربية والتعليم، هى مهنة الضمير والحفاظ على الأمانة التى هى المتعلم، والذى يعد الإخفاق فى تحقيق أهدافه ضياع للأمانة وضياع للضمير، ولهذا يجب أن يكون المعلم ملمًا بطرائق التدريس المتعددة، وأن يمتلك القدرة على التنويع فى استخدامها، لأن ذلك يعد من أهم أسس وواجبات هذه المهنة، كما يعد دليلا على مدى تميزه وإبداعه.

نصائح للمعلمين


ومن النصائح التى يمكن تقديمها لك عزيزى المعلم هي ضرورة أن تبحث وتبتكر وتغيّر وتجدد من طرائقك للتدريس لتجعل العملية التعليمية ممتعة ومشوقة، ولتحفز الطلاب وتحمسهم وتتفادى شعورهم بالفتور والملل، ولتبث فيهم روح الدافعية الذاتية للتعلم.


وعليك معرفة أن طريقة التدريس الجيدة الناجحة تعتمد على شخصية وأسلوب المعلم، وليس صحيحًا أنه إذا ما نجح معلمًا فى التدريس بطريقة ما، فإنه يكون على الآخرين أن ينجحوا فى تطبيقها وأن تعطى نفس النتائج.


وعليك أيضًا معرفة أن طرائق التدريس التقليدية ليست سيئة مطلقًا، بل منها الكثير مما يحقق الفائدة التربوية، وأيضًا لا تعد جميع الطرائق الحديثة حسنة على إطلاقها، فبعضها عليه بعض المآخذ، وعلى المعلم أن ينّوع من الطرائق كما ذكرنا سابقًا وأن يكون تصميم التدريس مرنًا حتى يتناسب مع كل المتعلمين.


ونسلط الضوء اليوم على طريقة الإلقاء (المحاضرة) فى التدريس، والتى تندرج ضمن الطرق التقليدية، كما صنفها المختصين بهذا المجال كونها من أقدم وأكثر طرق التدريس شيوعًا واستخدامًا فى معظم المدارس، وفى مختلف المراحل التعليمية، وتعتمد هذه الطريقة على إلقاء المعلم المباشر وشرحه النظرى للمادة العلمية، والطالب يتلقى ويسجل ما يقوله المعلم.


ويمكن للمعلم أن ينفذ طريقة المحاضرة بأكثر من أسلوب، فإما أن يعتمد على محاضرة العرض الحر المرتجل، أو محاضرة العرض المقروء، أو يجمع بين الأسلوبين من خلال محاضرة العرض الحر المعتمد على النص المقروء..

 

وفى كل الأحوال على المعلم أن يلتزم بخطوات التدريس بطريقة المحاضرة والمتمثلة فى: التهيئة الجاذبة للطلاب، ثم التمهيد لهم وإعداد عقولهم للمعلومات الجديدة من خلال تذكيرهم بالدرس السابق، ثم عرض الموضوع، ثم الربط بين عناصره وأفكاره، مع التقويم المستمر بطرح أسئلة من وقت لآخر، ثم التطبيق على جزيئات جديدة للتأكد من استيعاب الطلاب، مع تكليفهم بالواجبات المنزلية.

مميزات طريقة المحاضرة 


ومن مميزات طريقة المحاضرة التى تجعلها شائعة الاستخدام والانتشار فى المدارس أنها توفر الوقت، حيث يتمكن المعلم من تقديم معلومات ومعارف كثيرة فى وقت قصير بأقل التكاليف، كما تعد هى الطريقة الأكثر مناسبة لتوفير الهدوء والانضباط فى غرفة الصف عندما يكون عدد الطلاب كبير..

 

وتمتاز طريقة المحاضرة بتعدد مجالات استخدامها، حيث يمكن للمعلم استخدامها في حالات ومواقف تعليمية متعددة منها: تلخيص ما سبق دراسته وربطه بموضوع الدرس الجديد، وتقديم موضوع علمى جديد، وتصحيح إجابات المتعلمين، ونقل الخبرات الشخصية والحياتية من المعلم إلى المتعلم، أوعند شرح عبارات أو مقولات ما أو تكملتها، كما يمكن الاعتماد على هذه الطريقة لإعداد المتعلمين ليتعلموا فن الإلقاء ويتقنوا مهاراته، ولتدريبهم على آداب الاستماع.


ومن عيوب طريقة المحاضرة أنها طريقة مرهقة صحيًا ونفسيًا للمعلم، وبالرغم من أنها تضعه فى موضع السلطة المطلقة إلا أنها تتسبب فى ضعف العلاقات الإنسانية بينه وبين الطلاب، لأنها تجعلهم سلبيين مستمعين طول وقت الحصة، ولا تراعى الفروق الفردية بينهم، ولا تشجع على تنمية التفكير والمهارات والميول والاتجاهات لديهم، كما يعاب على طريقة المحاضرة ضعف مردودها العلمى حيث تركز على التعلم المعرفى فى أدنى مستوياته.


ومن المقترحات التى يمكن تقديمها إليك عزيزى المعلم لمساعدتك فى تحسين طريقة المحاضرة وتفادى عيوبها أن تكون المحاضرة قصيرة لتبعد المتعلمين عن الملل، وأن تكون أهدافها واضحة لهم. إثارة انتباه الطلاب بطرح سؤال أو مشكلة، وتنويع المثيرات والوسائل التعليمية. المسح البصرى الدائم للطلاب، مع الاقتراب من بعض الطلاب المنصرفين عن المحاضرة.


والحماس من المعلم فى الأداء لأن الطلاب يستمتعون بالتعليم من المعلم المتحمس. ووضوح الصوت، وقوة النبرة، والتنوع فى النغمات والنبرات وسرعة الصوت. استخدام التشبيهات والمقارنات والطرائف وضرب الأمثلة الواقعية.  التقويم المستمر بطرح الأسئلة، وأن لا ينتقل المعلم من نقطة إلى أخرى إلا بعد أن يكون مهد لهذا الانتقال. وأن يناقش المعلم المتعلمين فى كل عنصر مع تدوين الأفكار والعناصر الرئيسة على السبورة. 
وللحديث بقية في المقال القادم بمشيئة الله تعالى

الجريدة الرسمية