العبادلة، رموز العلم والفقه في صدر الإسلام (عبد الله بن عمرو.. صائم الدهر)

تطلق تسمية "العبادلة" على أربعة من صغار الصحابة اشتهروا بالعلم الغزير، والفقه، وكانوا مدار العلم والفتيا والرواية عنهم لتأخر وفاتهم، وهم: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب.. عبد الله بن عمر بن الخطاب.. عبد الله بن عمرو بن العاص.. عبد الله بن الزبير بن العوام.
( 3 ) عبد الله بن عمرو بن العاص
ثالث العبادلة هو عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل، أسلم قبل أبيه، ولم يكن بين مولدهما إلا اثنتا عشرة سنة فقط.
استأذن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في كتابة ما يسمع منه، فأذن له، صلى الله عليه وسلم، في ذلك، فكان من المُكثرين في الرواية، وكان عالما بالتفسير عابدا مجاهدا، وكان يكنى بأبي عبد الرحمن.
صيام الدهر وصلاة الليل والنهار
علم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن عبد الله يقضي حياته على وتيرة واحدة.. هي العبادة؛ من الفجر الى الفجر في صيام وصلاة، وتلاوة قرآن.
فنصحه، صلى الله عليه وآله وسلم، إليه، بالقصد في عبادته.
قال له الرسول، صلى الله عليه وسلم: "ألم أخبر أنك تصوم النهار، ولا تفطر، وتصلي الليل لا تنام؟ فحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام.. قال عبد الله: إني أطيق أكثر من ذلك.. قال النبي، صلى الله عليه وسلم: فحسبك أن تصوم من كل جمعة يومين.
قال عبد الله: فإني أطيق أكثر من ذلك.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهل لك إذن في خير الصيام، صيام داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما.
"فمن رغب عن سنتي فليس مني"
وعاد الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، يسأله قائلا: وعلمت أنك تجمع القرآن في ليلة وإني أخشى أن يطول بك العمر، وأن تملّ قراءته.. اقرأه في كل شهر مرّة.. اقرأه في كل عشرة أيام مرّة.. اقرأه في كل ثلاث مرّة.. ثم قال له صلى الله عليه وسلم: إني أصوم وأفطر.. وأصلي وأنام.. وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".
عمّر عبد الله بن عمرو طويلا.. ولما تقدمت به السن ووهن منه العظم كان يتذكر دائما نصح الرسول، فيقول: "يا ليتني قبلت رخصة رسول الله".
"أطع أباك"
في المرة التي أمره الرسول فيها بالقصد في العبادة، كان الأب عمرو حاضرا، فأخذ الرسول يد عبد الله، ووضعها في يد أبيه.. وقال له: "افعل ما أمرتُك، وأطع أباك".
كان عمرو بن العاص قد انحاز إلى معاوية، حيث الملك والسلطة والأموال، وكان يدرك مدى إجلال المسلمين لابنه عبد الله وحبهم له، ومدى ثقتهم في دينه، فأراد أن يحمله على الخروج إلى جانب معاوية.
فحين همّ بالخروج إلى صفين دعاه إليه، وقال له: يا عبد الله تهيأ للخروج، فإنك ستقاتل معنا.
وأجابه عبد الله: كيف وقد عهد إليّ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ألا أضع سيفا في عنق مسلم أبدا؟!
دهاء عمرو
وحاول عمرو بدهائه إقناعه بأنهم إنما يريدون بخروجهم هذا أن يصلوا إلى قتلة عثمان، وأن يثأروا لدمه الزكيّ.. ثم قال له: "أتذكر يا عبد الله، آخر عهد عهده رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين أخذ بيدك فوضعها في يدي، وقال لك: أطع أباك؟.. فإني أعزم عليك الآن أن تخرج معنا وتقاتل".
وخرج عبد الله بن عمرو طاعة لأبيه، وفي عزمه ألا يحمل سيفا ولا يقاتل مسلما.
وأثناء الحرب، وقعت واقعة جعلت عبد الله بن عمرو يأخذ مكانه جهارا ضدّ الحرب، وضدّ معاوية.. وذلك أن عمّار بن ياسر كان يقاتل مع عليّ، وكان عمّار موضع إجلال مطلق من أصحاب الرسول.. وأكثر من هذا، فقد تنبأ، صلى الله عليه وآله وسلم، منذ سنوات بعيدة، بمصرعه.
نبوءة الرسول لعمار بن ياسر
كان ذلك والرسول وأصحابه يبنون مسجدهم بالمدينة بعد هجرتهم إليها.. وكانت الأحجار ضخمة لا يطيق أشد الناس قوة أن يحمل منها أكثر من حجر واحد.. لكنَّ عمارا راح يحمل حجرين حجرين، وبصر به الرسول فتملاه بعينين دامعتين وقال: "ويح ابن سميّة، تقتله الفئة الباغية".
سمع كل أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المشتركين في البناء يومئذ هذه النبوءة، ولا يزالون لها ذاكرين.
وكان عبد الله بن عمرو أحد الذين سمعوا.. وقد بدأ القتال بين جماعة عليّ وجماعة معاوية، كان عمّار يصعد الروابي ويحرّض بأعلى صوته ويصيح.. "اليوم نلقى الأحبة، محمدا وصحبه".
وتواصى بقتله جماعة من جيش معاوية، فسددوا نحوه رمية آثمة، نقلته الى عالم الشهداء الأبرار.
الفئة الباغية
وسرى النبأ كالريح أن عمّار قد قتل.. وانقضّ عبد الله بن عمرو ثائرا مهتاجا: أو قد قتل عمار؟! وأنتم قاتلوه..؟! إذن أنتم الفئة الباغية.
وانطلق في جيش معاوية، يثبط عزائمهم، ويهتف فيهم أنهم بغاة، لأنهم قتلوا عمارا وقد تنبأ له الرسول منذ سبع وعشرين سنة على ملأ من المسلمين بأنه ستقتله الفئة الباغية.
أبلغ معاوية بصنيع عبد الله، فدعا عمرا وولده عبد الله، وقال لعمرو: "ألا تكف عنا مجنونك هذا؟
قال عبد الله: ما أنا بمجنون ولكني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول لعمار: تقتلك الفئة الباغية.. فقال له معاوية: فلم خرجت معنا؟!
قال عبد الله: لأن رسول الله أمرني أن أطيع أبي، وقد أطعته في الخروج، ولكني لا أقاتل معكم.
وإذ هما يتحاوران دخل على معاوية من يستأذن لقاتل عمار في الدخول، فصاح عبد الله بن عمرو: ائذن له وبشره بالنار.
وأفلتت مغايظ معاوية على الرغم مما تردد عنه من أنه حليم، وصاح بعمرو: أو ما تسمع ما يقول.
وعاد عبد الله في هدوء المتقين واطمئنانهم، يؤكد لمعاوية أنه ما قال إلا الحق، وأن الذين قتلوا عمارا ليسوا إلا بغاة.
والتفت صوب أبيه، وقال: لولا أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمرني بطاعتك ما سرت معكم هذا المسير.
وخرج معاوية وعمرو يتفقدان جيشهما، فرُوّعا حين سمعوا الناس جميعا يتحدثون عن نبوءة الرسول، صلى الله عليه وسلم، لعمار: تقتلك الفئة الباغية.
أكاذيب عمرو ومعاوية
وأحس عمرو ومعاوية أن هذه المهمة توشك أن تتحول الى نكوص عن معاوية وتمرّد عليه.. ففكرا حتى وجدا حيلتهما التي مضيا يبثانها في الناس.
قالا: نعم إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال لعمار ذات يوم: تقتلك الفئة الباغية.. ونبوءة الرسول حقٌّ.. وها هو ذا عمار قد قُتل.. فمن قتله؟ إنما قتله الذين خرجوا به، وحملوه معهم الى القتال"!
واستأنف الفريقان القتال.
وعاد عبد الله بن عمرو إلى مسجده، وعبادته.
وعاش حياته لا يملؤها بغير مناسكه وتعبّده.
غير أن خروجه إلى صفين مجرّد خروجه، ظل مبعوث قلق له على الدوام.. فكان لا تُلم به الذكرى حتى يبكي ويقول: "مالي ولصفين؟! مالي ولقتال المسلمين"؟!
مع الإمام الحسين بن علي
وذات يوم وهو جالس في مسجد الرسول مع بعض أصحابه مرّ بهم الحسين بن علي، رضي الله عنهما، وتبادلا السلام.. ولما مضى عنهم قال عبد الله لمن معه: "أتحبون أن أخبركم بأحب أهل الأرض الى أهل السماء؟ إنه هذا الذي مرّ بنا الآن، وإنه ما كلمني منذ صفين.. ولأن يرضى عني أحب إليّ من حمر النعم".. واتفق مع أبي سعيد الخدري على زيارة الإمام الحسين.
وبدأ عبد الله بن عمرو الحديث، فأتى على ذكر صفين فسأله سيدنا الحسين مُعاتبا: "ما الذي حملك على الخروج مع معاوية"؟! قال عبد الله: "ذات يوم شكاني عمرو بن العاص إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال له: "إن عبد الله يصوم النهار كله، ويقوم الليل كله.. فقال لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله صلِّ ونم.. وصُم وافطر.. وأطِع أباك.. ولما كان يومُ صفين أقسم عليّ أبي أن أخرج معهم، فخرجت.. ولكن والله ما اخترطتُ سيفا، ولا طعنتُ برمحٍ، ولا رميتُ بسهمٍ".
وفاته
وفي الثانية والسبعين من عمره، وبينما هو في مصلاه، صعدت روحه إلى بارئها.
مات سنة خمس وستين من الهجرة، وكان أكبر "العبادلة" سنا، رضي الله عنه وأرضاه.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا