رئيس التحرير
عصام كامل

صحوة برلمانية متأخرة!

قليلةٌ هي المرات التي وجدنا بعض نواب البرلمان يكشرون عن أنيابهم للحكومة.. وآخرها ما جرى أمس من هجوم حاد على أداء الحكومة وصل لحد مطالبتها بالرحيل، وسحب الثقة منها أثناء  جلسة النظر في الاعتماد الإضافي للموازنة العامة بنحو 165 مليار جنيه لمواجهة الأزمة الاقتصادية.. الصحوة البرلمانية جاءت متأخرة.. لكن أن تأتي متأخرًا خيرا من ألا تأتي أبدًا!

 
النائب ضياء الدين داوود تساءل: «من أين تحصل الحكومة على صلاحيتها بعد كل ما قيل عنها في جلسة المجلس أمس؟»... ذلك أنها خالفت –وفقا للنائب داوود- المادة 127 من الدستور في اتفاقها مع صندوق النقد الدولى، دون الحصول على موافقة البرلمان أو العرض عليه، كما أنها خالفت الدستور عندما تطرح صكوكًا في بورصة لندن وبضمانات لا نعلمها.. ثم اتهم الحكومة بافتقاد الشفافية مع الداخل.


ضياء الدين داوود تطرق لمسألة ارتفاع أسعار الأرز الذي تنتج منه مصر نحو أربعة ملايين طن سنويًا بينما تستهلك منه 3.2مليون طن.. ورغم ذلك تعاني عجزًا في تلك السلعة الإستراتيجية تسبب تارة في ارتفاع سعرها مرة بعد مرة، وتسبب تارة أخرى في شحها بالأسواق.. وهنا يتبادر إلى الذهن: من صنع تلك الأزمة المفتعلة.. وهل حوسب على فعلته تلك.. وكيف نضمن ألا تتكرر مرة أخرى مستقبلًا؟!

روشتة إصلاحية


النائب داوود وضع يده على نقطتين مهمتين؛ أحداهما تتعلق بسياسة الإقراض التي رفعت الديون لأرقام غير مسبوقة تلتهم فوئدها وأقساطها جزءًا كبيرًا من الموازنة العامة دون توقف أو دون أن تقول الحكومة لنا متى تتوقف عن الاقتراض.. وكيف سيتم السداد.. ومتى ستعتدل كفة الميزان التجاري لصالح مصر ومتى يخرج المواطن من تلك الدائرة الجهنمية من ارتفاع الأسعار الذي يتسبب فيه زيادة الدولار أمام الجنيه إذا سلمنا بالآثار الاقتصادية السلبية للأزمات الخارجية أو التضخم المستورد؟! 


 الوطن يمر بأخطر مراحله؛ كما قال النائب مجدى ملك، عضو لجنة الزراعة والرى بمجلس النواب؛ وهو ما يضع البرلمان وكل فرد منا، والحكومة قبلنا أمام مسئولية وطنية تقتضي مزيدًا من اليقظة والجهد والحوار وسماع الرأي والرأي الآخر  وتفعيل الأدوات الرقابية للبرلمان لعبور الأزمات التي تزداد ضراوة وشراسة.


الحكومة مطالبة بتغيير نمط تعاملها مع الأزمة الاقتصادية، لتبعث برسائل طمأنة حقيقية للشارع؛ وإذا كان طلبها اعتمادًا إضافيًا بالموازنة جاء بدافع توفير حزمة رعاية اجتماعية للمواطنين لضمان الاستقرار وامتصاص التضخم وإرضاء المواطن فلا بأس لكن شريطة أن تضع حدًا للاقتراض وأن تخرج للرأي العام  بخطة عاجلة لتدبير موارد جديدة بعيدًا عن جيب المواطن والاستدانة.. 

 

 

فليس من المنطقي أن تسلك نفس السبل ثم تنتظر نتيجة مغايرة؛ فليس ثمة سبيل للخروج من تلك الأزمة إلا بمضاعفة الإنتاجية وتقليل فاتورة الاستيراد وترشيد الاستهلاك والإنفاق الحكومي، والاستعانة بأهل الخبرة  من الاقتصاديين الأكفاء في كل مجال وإبداء مزيد من الشفافية والمصارحة مع النواب ومع الشعب قبل الإقدام على خطوة من شأنها رفع الدين العام.. وأن تقدم أداءً اقتصاديًا مغايرًا فلن يقنع في النهاية إلا ما هو مقنع..وتلك روشتة إصلاحية بديهية يعرفها أهل الاقتصاد.. ويجب أن تقتنع الحكومة بها أولا حتى تبدأ في تنفيذها.

الجريدة الرسمية