الطلاق قبل الزواج أحيانا!
لا أعرف من أين أبدأ، لكن ما أعرفه أنني ولأول مرة يتوقف قلمي حائرا مترددا مندهشا من الفكرة والألم يعتصر قلمي وأناملي قبل قلبي! أيعقل أن نصل إلى مرحلة نجد فيها نسبة الطلاق تفوق نسبة الزواج؟! أيعقل أن تصبح النسبة الأغلب من الطلاق بين فئة العشرينات والثلاثينات من العمر؟! أيعقل أن يصبح السكن جهنما، ويصبح عقد الزواج عقدا للبيع والشراء؟!!
وهذه هي ثلاثة أسئلة من كثير مما يمكن أن يطرحه كل منا إن فتحنا سويا باب المناقشة، والأغرب، أنه وإن تطرقنا لفتح هذا الباب، للأسف سنسمع إجابات متعنتة من كلا الطرفين اللذين يؤمنان بكونهما على صواب! ولعل هذا التعنت هو أحد الأسباب الرئيسية الخفية للطلاق!
ودعني أقول لك سرا آخر أساسيا من وجهة نظري المتواضعة عزيزي القارئ، إنها الأنانية.. فهى بصراحة مفتاح اللغز، وقد تكون هي أيضا مفتاح الحل في بعض الحالات!
وقبل أن تبادر قائلا: لا، فالسبب الحقيقي هو انتهاء المحبة بيننا بعد الزواج.. فاسمح لي أن أقول لك: إنك لم تكن تعلم أصلا ما هي المحبة والمودة التي قصدها الله في هذا الميثاق الغليظ، ولوعلمتها، ما قلت هذا..
ولكنك في الواقع فعلا لا تعلم كيف تحب نفسَك، أو كيف تحبين نفسِك.. فنحن لا نؤمن أصلا في هذا الزمن بالحب. لأنها أصبحت كلمة متداولة مفرغة من معناها وهي في حقيقة الأمر غلاف سلوفاني براق للأنانية كمعنى وإصطلاحا..
فأنت أحببت الآخر لأنك وجدت فيه ما يرضيك وما يتناغم مع رغباتك وميولك ومعتقداتك وما يتوائم مع أفكارك ومخططاتك المستقبلية وما يتناسب مع دراسة الجدوى التي درستها مع نفسك كثيرا وأعددت لها العُدَّة..
وأغفلت إن أي دراسة جدوى لأي مشروع مادي لابد أن تكون مناسبة لكلا الشريكين وليس طرفا واحدا، فما بالك بأكبر المشروعات المعنوية الوجدانية على وجه الإطلاق؟! فثمارها ليس مال العالم بأسره، ولكن أكبادكم الذين يمشون على الأرض إما معمرين أو هادمين لمجتمعات بأسرها!! فمن من الزوجين يعرف ما هو الحب أصلا؟!
أسباب الطلاق
وللأسف لم يكن خطأكما على قدر ما كان خطأ في التربية والتنشئة الأسرية والمجتمعية منذ الصغر، والعمل على غرس الأفكار العنصرية والقيم المغلوطة بين الولد والبنت منذ الصغر، والخروج عن السياق الديني والمجتمعى السليم طبقا للأهواء والمتغيرات والتطورات.
وعدم غرس المفهوم السليم لمعنى وقدر المحبة الزوجية والمودة والرحمة ومدى قدسية هذا الميثاق الغليظ منذ بدء التنشئة، لأن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر.. فضلا عن التسرع في اتخاذ القرار وللتسرع هنا أوجه عديدة وأشكال متنوعة بناء على معطيات مظهرية ترتبط بالشكل أكثر من المضمون والقيمة أو تحت تأثير هاجس تقدم العمر لدى الشاب أوالفتاة أو هاجس زواج البنت ستر!
التعسف والتعنت في الطلبات المادية من الشباب ضاربين عرض الحائط كل ما دعت إليه الأديان في هذا الشأن.. وافتقار لغة الحوار المشتركة بين الزوجين، التي تعلي وتفضل مصلحة الكل على مصلحة الفرد عند مواجهة أي خلاف مهما كان بساطته !
فضلا عن الاصطدام بأعباء الحياة الزوجية والتزاماتها التي لا تنتهي فيكتشف الزوجان أن الحياة ليست وردية كما كان يظنان قبل الزواج، وعدم القدرة على تقديم التتازلات تحت شعار الكرامة الفردية الوهمية، وعدم مشاركة النجاحات والاهتمامات الفردية والمشتركة بين الزوجين وعدم التقدير للعقبات التي يواجهها كلا منهما، فبعض الأزواج يريدون من زوجاتهم أن يتخلين عن أحلامهن وطموحاتهن..
وبعض الزوجات لا يتفهمن طبيعة عمل الزوج ودوره في الحياة والعمل والجهد دون تقدير لهذه المهمة ودون دعم نفسي وعاطفي بل السخط الدائم والشكوى المستمرة من عدم التواجد والإهمال..
الوعي الدينى والطلاق النفسي
ومن أسباب الطلاق غياب التكافؤ، سواء على مستوى الزوجين أوعائلتهما، سواء أكان على المستوى العقلي والثقافي والعاطفي والاجتماعي، فالتكافؤ هو ركن أساسي للزواج الناجح وأيضا هو أول أسباب قبول دعوات الطلاق بالمحاكم!
فضلا عن عدم القدرة على إدارة الأزمات الاقتصادية التى تتعرض لها الأسرة، فهما على الحلوة فقط لكن في المرة يفترقان، ولا توجد عقلية مدربة ومدبرة ومخططة لمواجهة مثل هذه التغيرات والمنعطفات الأساسية لكيان الأسرة.. والكذب هو أول حجر أساس في بناء انعدام الثقة وعدم المصداقية والخيانة..
ومن أسباب الطلاق شيوع حالات الطلاق النفسي، فقد يمكث الزوجان في بيت واحد وتحت سقف واحد لما يتجاوز ال الثلاثين عاما وهم في الواقع أغرب الأغراب عن بعضهم البعض على الأقل من الناحية النفسية ثم تأتى لحظة ينفجر فيها الوضع ليحدث الطلاق..
ولا نغفل دور الإعلام والسوشيال ميديا وما تقدمه من مفاهيم تزلزل الأسرة من قواعدها الأساسية، متأثرة بثقافات لا تناسب ثقافتنا وطبائعنا الشرقية العربية المتدينة..
وأخيرا فإن زواج القاصرات والهروب من برامج التوعية الزوجية والكشف الطبي والنفسي على الزوجين والاستهزاء المستمر بمثل هذه الإجراءات، ثبت أنه من أهم أسباب زيادة حالات الطلاق بين الشباب. فضلا عن عدم استماع الزوجين إلى نصائح الأهل ممن سبقوهم بالخبرة في الحياة والنظر إلى الأهل على أنهما جيل آخر وفكر مغاير لا يتماشى مع العصر الحالي.. وهذه الأسباب هي الرئيسية فقط وهي قليل من كثير من الأسباب الخفية بين جدران البيوت وحكاوى البشر..
ولكن يبقى الأمل دائما معلقا بالله سبحانه وتعالى ثم بالوعي الديني وإعادة هيكلة المعاني المرتبطة بالحب بين افراد الأسرة وأن يبدأ كل فرد في دراسة الواقع حوله، وعليه أن يفكر مرارا وتكرارا قبل أن يقدم على خطوة الزواج بعد دراسة واعية وخطة واضحة لكل ما سبق، لأنه لابد أن يؤمن بأن المعطيات حتما تؤدي إلى النتائج.
وبالنسبة للمتزوجين فلابد وأن يبادر كل منهم أولا بتغيير نفسه وقيمه ومعتقداته ويراجع ما قاله الله تعالى الذي حتما سيجد في كتابه المنهج السليم والصحيح والطريق الأقصر لتنظيم الحياة الزوجية المقدسة بأمر الله، وحتى وإن وصل الطرفان إلى حالة الطلاق فلابد ألا ينسيا الفضل بينهما كما قال الله تعالى "وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ".
Yasminashaheen16@gmail.com