أيهذي الكاتب؟!
لا تخل قصة أي كاتب من تواتر الأحداث، ولا يخل وقلمه من هذيان! فلا يوجد ما هو مضمون لكاتب يمضي بقصته يحكي عن الإنسان! وكيف يسرد أحداث أسست كيان بلا صدق، بلا إيمان، بلا احساس، بلا برهان!
القلم يسرق الكاتب في كثير من الأحيان.. يسرقه من فكره، من عالمه، من نفسه.. ويأخذه إلى أبعد مكان. وفي تلك اللحظات، قد تضيع فكرة، أو تتوه أحداث، وربما يملأ الغموض الأركان!! ليس بهدف طمس الحقيقة أو إثارة دهشة القارئ، أو إبعاده عن ملابسات الواقع، بقدر ما ينسب إلى غرق الكاتب في تفاصيل الأحزان..
فالكاتب إنسان عاطفي في الأساس، وعاطفته هي سر سعادته وسلامه النفسي وفي كثير من الأحيان هي مفتاح حيرته وغرقه في تفاصيل الأحداث.. ولكن في الحقيقة، في بعض الأوقات قد يكون القارئ غير مطالب بتفهم جوانب ومشاعر الكاتب، مما يدفعه إلى الملل والسرعة في قلب الصفحات أو حتى البحث عما يسليه سريعا كمسلسل على التلفاز!
وينسى القارئ أن التفاعل الحقيقي والمعرفة الفلسفية الذهبية تكمن في فهم الكاتب وشخصيته، وأن قلمه ما هو إلا صوت يأتي من الأعماق ليعبر عن هدف حقيقي تكمن متعته في اكتشافه ذاتيا من وجهة نظر كل قارئ يحاول أن يغير من فكره ويستفيد بما حوله..
كما يجهل الكاتب في كثير من الأحيان ضرورة الفصل الواضح بين ما هو حقيقي وما هو خيالي، ما يريد أن يقوله، وما يشعر به، وما يريده أن يصل للناس.. إذا ما توصل الأدب المعاصر لفن التفاعل وحقيقة التفاهم الفكري المتبادل، لصرنا في مجتمع أفضل، بذوق عام أرقى، يتميز بالنقاء والشفافية واحترام الشخصية..
وهذا هو ما نحلم بتطبيقه على أرض الواقع في بداية العام الجديد، لماذا؟! لأنه إن كنا نريد حقا رفع مستوى الوعي وانتصار معركته في عصر الفتن، فلابد وأن نجتهد في تطوير استراتيجية منظمة تعمل على خلق حلقة وصل بين الكاتب والقارئ لتصل المعلومة بشكل سهل وصحيح ومحترم في نفس الوقت.. وهذا لن يحدث دون تكامل الدورين، دور الكاتب ودور القارئ..
الكاتب والقارئ
وسأبدأ بك صديقي الكاتب.. لابد أن تكون هناك مصداقية دون افتعال أو بغرض جمع المتابعين أو المصلحة الشخصية في الشهرة وإرضاء الغرور الذاتي للكاتب أو مجرد المقابل المادي لدى البعض!
إن الإنسان الذي يحب القراءة، ويدفع من ماله ووقته وجهده ليقرأ، هو قارئ حقيقي وإنسان صادق مع نفسه في هذه النقطة.
فإذا شعر القارئ أن الكاتب قلمه غير صادق، أومُسَيَس لأغراضه الشخصية ومشاعره زائفة، وأن الكاتب يختلق من الأحداث ما لا يؤمن به أصلا ليحدث ضجة وينتظر دوما عبارات التمجيد والإشادة والتصفيق، فصدقني ستفقد كلمتك ومصداقيتك!
فيجب على الكاتب أن يحترم ذكاء القارئ الذي يستطيع كشف أفكار الكاتب بسهولة، كما يجب أن تكتب ما يخرج من مكنون قلبك وقناعاتك الذاتية التي تحترم دينك ومجتمعك وما تطبقه أنت أيضا علي نفسك، فما يخرج من القلب لابد وأن يدخل إلى القلب، وما أعرفه أن أقصر طريق إلى العقل والقلب هو الصدق المتوج بحسن النوايا وهبة العمل لله والتواضع..
فلا تظهر على أوراقك عكس ما تبطنه في أفكارك وقناعاتك وأفعالك أيا كانت الضغوط أو المبررات سواء أكانت من نفسك وحبك الشديد لها وأنانيتك، أو ضغوطا من المحيط الخارجي.. أنت صديقي الكاتب تخاطب عقولا ومشاعر وأحاسيس ووجدانا، فلا تزيف ولا تفتعل ولا تشتري عقول الناس بثمن قليل..
ليس دورك أيها الكاتب أن تشطح بفكر القارئ إلى عوالم خيالية أو لا منطقية، إنما دورك طالما سخرك الله لحمل قلم، أن يكون هذا القلم على قدر الكلمة لأنك تعلم بالطبع بأن "الكلمة نور وبعض الكلمات قبور"..
وهنا فقط ستكون على قدر الرسالة والقيمة والهبة التي ميزك الله بها، فكم من شخص بداخله كثير من الأفكار والمشاعر ولكن لا يستطيع أن يجر قلما على ورقة، فلكل إنسان موهبة، حباه الله إياها ليختبره فيها في كل مجال.. واعلم أن الكلمة التي تكتبها، إما ستغير في الكثيرين إيجابيا أو سلبيا، وستحمل وزر السلبي منه وستحصد ثواب الإيجابي منه.. فكما نعلم جميعا أن "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"..
أما بالنسبة لدورك أنت صديقي القارئ، فلا تجعل من نفسك فريسة لكل كتاب أو صحيفة أو حتى خبر أو معلومة تقع بين يديك وخاصة من هم يزالون في سن التشكل الوجداني والفكري والأخلاقي والديني.. فلا تكن إمعة، كلمة ترفعك إلى الفضاء وكلمة تهوي بك إلى نفق سحيق.
لا تدع المهوسين بأنفسهم يشكلون وجدانك وإنما تثبت أولا جيدا ممن يشكلون وجدانك، وتثبت أولا جيدا ممن يخاطبون العقول ويصنعون الوجدان ولا يخاطبون إلا أنفسهم ولا يصنعون إلا ممالكهم الخاصة، معنوية كانت أم مادية!
لا تعش إلا في عالم من الصدق، الصدق وفقط، حتى لا تهدر عينيك ووقتك ومجهودك ومالك هباء منثورا ولن تحصد إلا الغث الرخيص، "وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ"، "وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْر تَجِدُوهُ عِنْد اللَّه ه وخيرًا وأعظم أجرًا".
فكلاكما مشترك ولن ينج واحد منكم من المحاسبة الإلهية ثم المجتمعية.. كلاكما مشترك في حركة الحياة والتأثير فيها.. فالكاتب مشترك بالفعل والعمل والقارئ بالتبعية والاتباع دون التثبت والاجتهاد في البحث عن الحقيقة..
فاعلم أن الكلمة نور وبعض الكلمات قبور، فسبحان الله كلمة، والكتب السماوية كلمة.. فلا تستهن كاتبنا العزيز بالكلمة، وإلا ما كانت الكتب السماوية كلمات، والله تعالى كلمة، فالكلمة لها واقع السحر في التغيير.. ولا تستهن قارئنا الصادق فلن تنجز لأنك لم يتبين.. “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ” وتذكروا دائما، أن الكلمة إما أذان يدعو للصلاة أو طبول تدعو إلى الرقص أو الحروب.