رئيس التحرير
عصام كامل

ديون مصر في كتاب

قبل أن يغادرنا عام ٢٠٢٢ صدر مؤخرا كتابى الجديد (ديون مصر.. حكاية عمرها 150عاما ).. بذلك أكملت أكثر من دستتين من الكتب بكتابين، كان أولها مشتركا بإشراف الدكتور مفيد شهاب عن جامعة العرب، ثم تتابعت كتبى المنفردة بعد ذلك منذ كتاب (لعبة القطط السمان في مصر)، الذى أصدرته دار نشر لبنانية تضامنا معى، كما قالت فى مقدمته  بعد  انتفاضة يناير..

 

وبعده صدر كتاب (حقيقة المساعدات الأمريكية لمصر)، ثم كتاب (محاكمة الانفتاح الاقتصادى)، وكتاب (الاختراق.. قصة شركات توظيف الأموال) وأنا أخوض تجربة إختفاء امتدت إلى ثلاثة سنوات وثلاثة أشهر لاتهامى فى قضية انتفاضة يناير الشهيرة، وعندما تعرضت مصر لهجوم ارهابي صدر لى كتاب (ممولو الاٍرهاب)، ثم كتاب (الاٍرهاب في الانعاش)..  

 

وبعدها صدر كتاب (الموساد.. سقوط الأسطورة)، وكتاب (إغتيال الديمقراطية.. لعبة المخابرات المركزية)، وكتاب 18، و19يناير..  شهادة واقعية) في ذكري مرور ربع قرن على انتفاضة يناير77..  وبعد اندلاع انتفاضة يناير بأسابيع قليلة صدر لى كتاب (الساعات الأخيرة في حكم مبارك) لينفرد بأسرار تنحى مبارك عن الحكم..  

 

ثم توالت الكتب التى تتبعت خفايا وأسرار تلك المرحلة من تاريخ البلاد فصدر لى كتاب (الإخوان في الحكم.. فرصة العمر) في خريف عام 2011 الذى لم يكتف بتوقع وصولهم للحكم وإنما حاول توقع ماذا سيفعلون بِنَا بعد وصولهم  للحكم.. وتلاه كتاب (أسرى المال السياسى) الذى كشف بالارقام والأسماء الذين حصلوا على أموال امريكية سرا بعد اندلاع انتفاضة يناير. 

 

ثم صدر كتاب (500 يوم من حكم الجنرالات) الذى إنفرد بأسرار الفترة الانتقالية التى أدار فيها المجلس العسكرى شئون البلاد، وكتاب (الساعات الاخيرة من حكم مرسي)..  وبعده صدر كتاب (اغتيال مصر) في جزئين وتتضمن وثائق قضية التخابر.. 

 

ثم صدر كتابي الذى سجل تجربتى الصحفية (نصف قرن قتال فى بلاط صاحبة الجلالة)، وبعدها عدت لمتابعة أحوال البلاد فى كتاب (رأس الأفعى) وهى جماعة الإخوان، ثم كتاب (٣٣٥ يوما من حكم المستشار)، الذى تناول أسرار الفترة الانتقالية الثانية.. 

 

وعندما أصبت بمرض السرطان سجلت تجربتى مع هذا المرض الشرس فى كتاب (أنا والسرطان)، لأعود بعدها مجددا للشان العام فى كتاب (الفقراء وجاءحة كرونا)، ثم كتاب (رؤساء وكورونا)، وتلاه كتاب (أموال الإخوان.. من حسن البنّا إلى ابراهيم منير) الذى يعد المحاولة الأولى لكشف مصادر تمويل الإخوان على مدى تسعة عقود منذ تأسيس الجماعة.. وبعده كتاب (المصريون وحلم الحياة الكريمة).

 
وها هو كتابى رقم 26 يصدر ليتناول قضية تشغل الرأى العام وهى قضية ديون مصر الخارجية والتى فرضت نفسها في ظل أزمة النقد الأجنبي التى عانينا منها عام 2022 وورثها منه عام 2023..  وبعيدا عن التهويل أو التهوين واعتمادا على أرقام البنك المركزى يجيب الكتاب على السؤال الأهم الذى فرض نفسه مؤخرا علينا وهو: هل ديوننا آمنة؟

حكايتنا مع الديون الخارجية

 
وحتى تأتى الإجابة موضوعية يتتبع الكتاب حكايتنا مع الديون الخارجية فى العصر الحديث والتى بدات عام 1857 في عهد الخديو سعيد، وهو العام الذى حصل فيه على أول قرض خارجى بلغ 1,2 مليون جنيه استرلينى، وذلك بناء على نصيحة ديلسبس لسداد مرتبات الموظفين التى تأخر سدادها..

 

وبعد أن تظاهر البقالون والجزارون أمام وزارة المالية حتى يتم سداد مرتبات الموظفين وليحصلوا علىى مستحقاتهم منهم.. وبعدها إستمر سعيد في الاقتراض من الخارج حتى بلغت ديوننا مع نهاية حكمه نحو 18 مليون جنيه استرلينى..  

 

ثم تتبع الكتاب ارتفاع ديوننا الخارجية حتى الآن، سنة وراء أخرى باستثناء الفترة ما بين 1943، حتى1958 والتى تم فيها التخلص من الديون الخارجية بتمصيرها خلال اكتتاب وطنى قامت به حكومة الوفد..  وبعدها عدنا للاقتراض من الخارج مجددا في عهد عبدالناصر لتمويل إنشاء مصنع الحديد والصلب ومشروع السد العالى، ومن يومها لم نتوقف عن الاقتراض من الخارج حتى بلغت ديوننا الخارجية في نهاية العام المالى (2021/ 2022) نحو 155,7 مليار دولار..


ويتوقف الكتاب بالطبع أمام أزمة الديون الخارجية في عصر إسماعيل والتى أفضت إلى سلب السيادة المصرية على أموالها وقناتها من قبل  تحالف ثنائى إنجليزي فرنسى، ثم إحتلال عسكرى إنجليزي للبلاد، بعد تعثر مصر وقتها عن سداد أقساط وفوائد ديونها..  

وهذه هى المرة الوحيدة التى توقفت فيها مصر عن سداد ديونها على مدى قرن ونصف، لكنها تعرضت لضغوط تفاوتت شدتها في فترات متابينة، في السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضى كما هو الحال الآن بسبب  تراجع مواردنا من النقد الاجنبى.


وقد أفرد الكتاب فصلا كاملا لظاهرة الديون في العالم إنتهى إلى أن الديون الخارجية هى ظاهرة عالمية إحتلت فيها الدول الكبرى قائمة المدينين في العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة أكبر مدين عالميا، لكنها تمثل مشكلة وأزمة لعدد محدود من الدول النامية فقط.

 


واختتم الكتاب بتقييم لديوننا الخارجية إستنادا إلى خمسة مؤشرات أساسية هى نسبتها للناتج المحلى الاجمالي، ونسبة الديون القصيرة الأجل فيها، ومقارنة معدل الزيادة فيها بالزيادة في معدل نمو الاقتصاد، ونسبة خدمة الدين لحصيلة الصادرات، وأخيرا إنفاق القروض الجديدة وهل من بين الإنفاق استخدامها في سداد ديون قديمة.. وهكذا كان ثمة حرص على أن يكون تقييم الديون علميا، وهذا ما نحتاجه في مناقشة كل أمورنا وشواغلنا..   

الجريدة الرسمية