محمد الجندي وكيل الدعوة يمثل الأزهر في مؤتمر ماليزيا ويشارك ببحث عن "الإرث النبوي"
شارك فضيلة الدكتور محمد عبد الدايم الجندي وكيل كلية الدعوة الإسلامية للدراسات العليا والبحث العلمي جامعة الأزهر في المؤتمر العالمي الإسلامية بدولة ماليزيا حول “الإرث النبوي”، حيث جاءت مشاركته حضوريا بورقة بحثية بعنوان "علاقة الإرث النبوي بالتميز الحضاري في عصر الرقمنة بين الفهم والإسقاط وتحدي الحداثة".
وقال “الجندي”، إن مشاركته بورقة بحثية بعنوان"الإرث النبوي" للرد على المفترين على الله ورسوله، مشيرا إلى أن المراد بالإرث النبوي هو ما تواتر من وحي وعلم عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنه ما جاء في الحديث: (وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياء).
إن الإرث النبوي يرسم أبهى صورة حضارية تكفل سلامة الوجود كله من الذرة إلى المجرة إلى يوم القيامة، بل إن الإرث النبوي هو بذاته عين التراث الحضاري وعين أعيان التجديد بكل مساراته في السلوك والقيم، والتطور والابتكار، والتجديد الفني والأدبي والفكري، والفلسفي والتصوفي، وكل اجتهاد مع النص رجعية وجمود، وجرأة وشرود، فأنى لهذا العقل المنحرف أن يبرح الورود، (فما ضر الورود وما عليها...).
وأضاف: "راحت الحداثة تشكك في قدرة متابعة الإرث النبوي لواقع الحضارة وصناعة التميز، فطالب الحداثيون بنقل الإرث النبوي من ساحة اللامفكر فيه إلى ساحة المفكر فيه، ومعنى نقل الإرث النبوي والتراث من ساحة اللامفكر فيه إلى ساحة المفكر فيه" أي من ساحة المسلمات إلى ساحة المشكوك فيه القابل للنقد، وأن التراث كله بما فيه النص القرآني مفتوح وغير محدد بشكل نهائي، فهو قابل للزيادة خاضع للتغير الحضاري المستمر الذي يفرضه التاريخ، وينبغي للى المثقف المعاصر أن ينخرط في استراتيجية شاملة للتدخل العلمي من أجل فتح العقليات المغلقة وتحريرها".
وتابع وكيل كلية الدعوة: "يتحايل الحداثيون على الإرث النبوي الحضاري "ليحملوا مصدريته مسئولية كونه معضلة تدعو العقل للتأويل والنقد حسب رؤيته، لذلك يجب بلورة رؤية حداثية حضارية عقلية محل الإرث النبوي المعصوم، وبلوغ ذلك لن يكون حسب زعمهم إلا من خلال القراءة التأويلية، فهي العملية الأمثل للتعبير عن عمليات ذهنية على درجة عالية من العمق في مواجهة النصوص والظواهر "".
وأوضح “الجندي” أن الحداثيين مارسوا منهجا يفرغ الإرث النبوي بالكلية من كل السياقات الحضارية بشراهة مغرضة؛ اتخذت الرقمنة عبر الشبكة العنكبوتية مأوى ومسوقا لها فكانوا (كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)، وهؤلاء الشياطين يتكئون على أرائكِ التضليل، ويُشيعون بغلطهم فحش الدخيل، ويطمسون بدعاواهم سواء السبيل، ويترقبون ببغيهم نتائجَ طروحاتهم، وآثارَ آرائهم.
وأشار إلى أن المنصات الإليكترونية والرقمية تعاني من أزمة فوضى طروحات المجترئين على الإرث النبوي وقد استطارت أفئدتهم شعاعا ورهبًا، فألقت وابلًا من الدسائس المشينة على كاهل الإسلام المظلوم، واختلط الأمر على المفاهيم وأشكل، وتحمل الإسلام مسئولية تلك التأويلات الحداثية الإلكترونية المعقدة المركبة التي تنقبض عند مطالعتها الخواطر وتزهق بها نفوس في لظاها، وتضيع ثمرات تحت رَحاها.
واستطرد: “مع توفر الكنوز المسطورة التي تبلغ مئات الألاف مــن المخطوطــات والوثائــق التراثية التي تعنى بمعالجة واقع الأمة كمكــون رئيس في إثــراء الجانب الحضاري الإنســاني العالمــي في كافة مياديــن العلــم والمعرفــة وبعــد اســتحداث التقنيــات المتطــورة للتصويــر وللتخزيــن والاســترجاع الرقمــي، وجــد القائمــون علــى حفــظ التــراث الفكــري المجــال واســعا ً لجمعــه وحفظــه وإتاحتــه، وهو يحتاج إلى إسقاط مساري مركزي محدد من خلال الربط بين فهم قانون الأخلاق النبوي وإسقاطاته الحضارية، وحمايته من الاختراق الحداثي، خصوصًا في ظل التطورات التقنية المتسارعة، فضلًا عن ظهور بعض المفاهيم الجديدة والتطبيقات العامة الحيوية مثل المعاملات الرقمية، والمكتبات الإلكترونية، والتعليم الإلكتروني”.
وأضاف وكيل كلية الدعوة أن أخطار التشويه للإرث النبوي واتهامَه بالرجعية والصدامِ مع الحضارة هزت أرض الفكر الإسلامي هزة عنيفة صدّعت رواسخ السكون الأرضي، وكدّرت شوامخ سنن البسط المتناغم مع أنساق الوجود الكوني، وأحدثت تشوها في صرح المستنبط بعقول أهل الاختصاص الذين قال الله فيهم (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) نعم لولا فضل علينا لاتبعنا الشيطان، فهؤلاء الذين يؤولون النصوص برؤية القارئ متكونون على عين الشيطان فهم طلابه وتلاميذه وورثته، فتقولوا الأباطيل والدعاوى وطرحوا طعونات جريئة في إرثنا النبوي الذي ورثناه بالسند المتواتر المتصل إلى مصدر الإشعاع الحضاري رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
ولفت إلى أن المدرسة الحداثية مارست جريمة فاشلة أفشلها وعد الله بحفظي الوحي وهي وضع "النص النبوي" في قالب "نص روائي" أو "نثري" ينطبق عليه محور الأجناس الأدبية مع عدم اقتناعهم بمسألة التفاضل المؤسَّس على الإعجاز الحضاري بكل أنواعه، ومسألة فهم النص النبوي تعتمد على قواعد تفسيرية وفقهية تستمد حجيتها الشرعية من ذات النص،ورغم ذلك بث الحداثيون الشك في مصادر الاستنباط وفي طرق التفريع أو الإحالة إلى حكم الفروع؛ عملا بمنهج الحداثة في أن النص محكوم بوعي القارئ وفهمه دون تقيد بقواعد، وذلك لأن أصل المنهج النقدي الحداثي ينطلق من صنع المنظر الغربي.
وشدد “الجندي” على أن فكرة المنهج الحداثي في التعامل مع الإرث النبوي قائمة على المؤامرة التشكيكية، لذلك هاجم الحداثيون رجال السنة، وزعموا أن الإرث النبوي عاداتٌ ومورثاتٌ قابلة لاختبارها في مختبر سردي يعيد إنتاجه وقراءته، وعليه أعلن الحداثيون صراحة عن مشروعهم في قراءة النص النبوي قراءة تأويلية أهوائية لا صلة لها بمكنون النص.
واستشهد “الجندي” بقول المستشرق ولديورانت: "إذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا إن محمدًا كان من أعظم عظماء التاريخ، فلقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجية حرارةُ الجو وجدب الصحراء، وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحًا لم يدانه فيه أيُ مصلح آخر في التاريخ كله".
كما استشهد بما قالَه كارليل الإنجليزي عن صاحب الجناب الأعظم صلى الله عليه وسلم: (ننتقل الآن من العصور الخشنة الوثنية الشمالية إلى دين آخر في أمة أخرى..دين الإسلام في أمة العرب، وما هي إلا نقلة بعيدة وبون شاسع بل أي رفعة وارتقاء نراه هنا في أحوال هذا العالم العامة وأفكاره، في هذا الطور الجديد لم ير الناس في بطلهم إلها بل رسولا بوحي من الله).
وقول كارليل أيضا: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متمدين من أبناء هذا العصر أن يصغي إلى من يظن من أن دين الإسلام كذب، وأن محمد خداع مزور، وآن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة، فإن الرسالة التي أداها ذلك الرسول ما زالت السراج المنير... إلى قوله: فواأسفاه.. مـا أسوء هذا الزعم، وما أضعف أهله وأحقهم بالرثاء".
ورأى المؤرخ الإنجليزي: (وليام موير (في كتابه حياة محمد): لقد امتاز محمد عليه السلام بوضوح كلامه، ويسر دينه، وقد أتم من الأعمال ما يدهش العقول، ولم يعهد التاريخ مصلحًا أيقظ النفوس، وأحيا الأخلاق، ورفع شأن الفضيلة في زمن قصير، كما فعل نبيُّ الإسلام محمد).
وقول الشاعر الفرنسي الشهير لامارتين "إن أعظم حدث في حياتي هو أنني درست حياة رسول الله محمد دراسة وافية، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود" ، وقول المفكر السويسري «يوهان دي.» كلما ازداد الباحث تنقيبا في الحقائق التاريخية الوثيقة المصادر في الشمائل المحمدية ازداد احتقارًا لأعداء محمد ««صلى الله عليه وسلم» »، أمثال إنجلز وماركس وغيرهما حيث أشرعوا أسنة الطعن في محمد «صلى الله عليه وسلم» قبل أن يعرفوه ويدرسوا دعوته، فنسبوا إليه ما لا يجوز أن ينسب إلى رجل عادي، فضلًا عن رجل كمحمد «صلى الله عليه وسلم» الذي يحدثنا التاريخ بأن عقيدته ودعوته الإسلامية مستمدتان من الله سبحانه وتعالى.
واستشهد ايضا بالشاعر الألماني الأشهر جوته الذي ألف مسرحية وصف فيها سيد الدنيا والآخرة (محمد «صلى الله عليه وسلم») بأنه جاء بأفكار عالمية جديدة ليشيع السلام والمساواة والإخاء في العالم حتى إنه قال في الإسلام: يقول جوته.. يا لحماقة البشر عندما، يصر كل منا على رأيه، إذا كان الإسلام معناه، أن نسلم أمرنا لله، فعلى الإسلام نعيش ونموت كلنا".
وقول المستشرق المجري "جرمانوس» في كتابه «نهضة الثقافة العربية» لن يجود الزمان بعبقرية مثل محمد «صلى الله عليه وسلم»، ونبوته لا مراء فيها، ورسالته أنقى الرسالات والقرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي يخاطب العقل فيفحمه، والقضايا الواردة فيه جميعها تخضع للموازين المنطقة بلا مواربة أو ألغاز.
وقال وكيل كلية الدعوة إن علاقة الإرث النبوي بالصعود الحضري كعلاقة الصورة في المرآة، فهو يعكس ثراء حضاريًا يشكل دافعية تلازم الحركة الذاتية للإنسان مع الحركة الإيمانية مما يضمن الشبعة الروحية والجسدية على حد سُوي، ومن ملامح العلاقة بين الإرث النبوي والتميز الحضاري:
أولًا: أنها علاقة تلازمية:
تتلازم العلاقة بين الإرث النبوي والتميز الحضاري تلازما تنعكس عنه نتائج حتمية تترتب عليه، حيث أرسى الإرث النبوي نظامًا يتماشى مع المقتضيات التسويقية وعلاقات الإنتاج وطرقه المتجددة، والمصالح المتعارضة، والأفكار الاجتماعية المتضاربة، والأخلاق السائدة، فقضى على صور الإجحاف الحضاري اللاإنساني تحت إشراف توجيه المنهج الرباني الذي يدعو إلى نزاهة التكسب بطلب الحلال.
ثانيًا:أنها علاقة ترابطية:
تربط الإرث النبوي والتميز الحضاري علاقة وطيدة ففي ظل المزج بين العمل الاقتصادي وروح الشريعة، ينقذ الإسلام البشرية المهددة في كينونتها الإنسانية، ويحطم قفص المادية الصرفة، حتى ينصهر في روح الإيمان، فتسعد الإنسانية بالغنى الشامل ماديًا ونفسيًا.
ثالثا: علاقة تضمنية:
يتضمن الإرث النبوي كل مسارات التميز الحضاري في أعلى درجاتها وصورها، فالإرث النبوي يضمن الصعود الحضاري ويكفل توجيه آليات التنمية الفردية والمجتمعية،" فالزكاة مثلا وهي تميز حضاري تنموي تلعب دورًا اقتصاديًا كبيرًا في حق التشغيل الكامل سواء من خلال عدم إعطائها القادرين على العمل، دفعًا لاشتراكهم في النشاط الاقتصادي، أو من خلال رأس المال الإنتاجي للفقراء والمساكين، الذين عجزت إمكاناتهم الذاتية عن توفيره بشكل يساعدهم على التحول إلى طاقات منتجة تفيد المجتمع بأسره "( ).
وتأتي علاقة الإرث النبوي بالتميز الحضاري من عدة منطلقات يصح أن تدخل في علاقة المطابقة، لأن الإرث النبوي الحضاري مطلب الإسلام في بناء المجتمع المسلم بكل خصائصه بناء شاملًا لحقيقة الوجود، ولحقيقة الإنسان، ولمركز الإنسان في هذا الوجود، ولغاية الوجود الإنساني، وتنطلق العلاقة بين الإرث النبوي والتميز الحضاري في عصر الرقمنة من منطلقين: المنطلق الإرثي النبوي الأخلاقي، والمنطلق الإرثي الحضاري التنموي.
الترويج الرقمي لضرورة إلغاء مصدرية الإرث النبوي، وعدم صلاحيته للإسقاط الحضاري:
زعم الحداثيون أن الإرث النبوي نص لغوي أدبي كسائر النصوص الأدبية وذلك ليتسنى لهم إسقاط القداسة عنه، وبالتالي نقده دون ضوابط ودون مراعاة لخصائصه التي انفرد بها عن سائر النصوص، يقول أحدهم: "إن الموروث النبوي في حقيقته وجوهره منتج ثقافي والمقصود بذلك انه تشكل في الواقع والثقافة خلال فترة تزيد على العشرين عاما"( ).
ويرمي الحداثيون إلى " زحزحة ما تلقته الأمة عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن مكانته باعتباره مصدرا للحضارة والمعرفة الإنسانية، ويتم ذلك عن طريق التعامل معه بكل ما توفره النظريات والفلسفات الحديثة، ويكون ذلك بواسطة التوسل بالمناهج المقررة في علوم الأديان بالغرب، وإعطاء العقل سلطة مطلقة في إخضاع الإرث النبوي للنقد "( ) ليتسنى تعطيله عن الإسقاط الحضاري والترويج لذلك عن طريق الرقمنة التقنية.
والعقل البشري في نظر الحداثيين " وصل سن النضج، ولم يعد بحاجة إلى الهداية والإرشاد النبوي وذلك بإعلان انتهاء وصاية السماء على الأرض بإنهاء النبوة والرسالة "( ).
ويرى الحداثيون " أن الإرث النبوي " يحرر العقل البشري من قيود سلطان الآلهة، وسلطان الأنبياء والمرسلين، وسلطان رجال الدين، وتحرير العقل من سلطان الآلهة؛ يعني عندهم أن تكون أعمال الإنسان غير مرتبطة بمشيئة الآلهة ورغباتها ورضاها، وأما تحريره من سلطاه الأنبياء والمرسلين، فبالقضاء على الهالة التي يراها الناس قدسية ويحيطون بها الأنبياء والمرسلين، وإذا كان الموروث النبوي أعطى العقل البشري سلطة في مناقشة سلطة السماء، فكيف يمنعه من الحق في مناقشة سلطة الأرض "( ).
وبذلك تجاوزت الحداثة في غاياتها حدود الموضوعية في دراسة الإرث النبوي لتعطيل إسقاطه على واقع الحياة الحضارية، وجمدت تميزه وجاؤوا بمصطلحات فلسفية مستوردة، وعبارات رمزية مقَّنعة، تحت شعار مواكبة العصر والتطور والتجديد.
ويأتي الترويج الرقمي لخديعة أن الإسقاط الحداثي هو المنقذ من الانهيار الحضاري:
وذلك بانزلاق بعض أدعياء الفكر العليل نحو هاوية الغش الثقافي الحداثي، فزعموا أن الحداثة الغربية لون من التجديد الإسلامي لتحقيق المدنية والتحضر ، ورفض الرجعية والتقليد، بينما حقيقة الحداثة الغربية مجافية للحضارة والمدنية بكل المعاني .
وكل هم الحداثيون أنهم يريدون إثناء النص وَفقا لتغير البيئات والثقافات، لا إثناء الثقافات وفقا للنص، وما ذلك إلا لأنهم أكبروا من مقام العقل مع تجاهلهم تماما لكون العقل ليس إلا صفحة بيضاء تتراكم عليها المعطيات المادية، وما قدرات العقل إلا عملية توالد وورود لخبرات مكتسبة، ومستودع لكثير من الذكريات المخزنة في الوعي واللاوعي، وطالب الحداثيون بإعادة قراءة الإرث النبوي بأسلوب حداثي يخالفه:
فإن إعادة قراءة الإرث النبوي الحضاري استدعاها في نظر الحداثيين " أن الإرث النبوي لم يعد يحمل المعاني التي تناسب حاجة العصر المتجددة، وإن وسائل الفهم تغيرت وطبائع المخاطبين تغيرت، وعليه فإن أية قراءة للإرث النبوي لا بد أن تأخذ في اعتبارها هذه المسألة، التي تسمى بجدلية المعنى والتاريخ "( )
لذلك يرى الحداثيون ضرورة إعادة قراءته، وعدم الانكباب على قراءاته القديمة التي تفقده وزنه وقيمته، فـ " تلك القراءات حولته إلى بوق لا يسمع منه سوى أصوات الموجهين، وليس صوت مضمون الإرث، فلحقه غياب كلي لكينونته، لأنه تم تناوله من منظور مؤدلج، همه الوحيد التكلم باسم الوحي، وليس الـتكلم لأجل الوحي. وتبرز على خلاف ذلك وظيفة التأويل التي تسعى إلى فهم الواقع فلا فكر خـارج الواقع المتضمن لجميع أشكال التعارض والتباين، إذ لا ينبغي حصر دراسة الـتراث على الماضي، واجترار أفكار أمجاده، فالعلاقة بين الماضي والحاضر علاقة تواصل وجدل تستوجب قراءة الماضي لفهمه وتجاوزه لا لتقديسه ""( ).
إن الحداثيين المتذرعين بالتجديد وعدم مواكبة الإرث النبوي وعدم صلاحيته للإسقاط الحضاري على الواقع قرروا ضرورة قراءته على أسس المنهجيات الفلسفية واللغوية الغربية الحديثة بعد القطع مع التراث التفسيري، والبدء من الصفر، إنما يكررون نفس عمل المستشرقين الذين وجهوا سهامهم إلى النص ا بشكل مباشر أو غير مباشر بإثارة كل أنواع الشبهات حوله، ويكرسون نفس المحاولة لإبادة المعالم الدلالية للإرث النبوي.
واختتم الدكتور محمد عبد الدايم الجندي ورقته البحثة بعدة نتائج وتوصيات ؛ نوجزها فيما يأتي:
أولا: أهــــم النتائج: أسفر البحث عن عدة نتائج ؛ منها:
1. فإن التراث النبوي هو مشكاة الهداية التي يتفرع عنها التراث الحضاري بكل مساراته في السلوك والقيم، والتطور والابتكار والتجديد الفني والأدبي والفكري.
2. مارس الحداثيون منهجا يفرغ الإرث النبوي بالكلية من كل السياقات الحضارية بشراهة مغرضة ؛ وهي ممارسة تُعنى بكل ما يمكن قراءته في النص عبر التأويل غير المنضبط بكل صوره.
3. زعم الحداثيون أن الإرث النبوي عادات ومورثات قابلة لاختبارها في مختبر سردي يعيد إنتاجه وقراءته، وعليه أعلن الحداثيون صراحة عن مشروعهم في قراءة النص النبوي، وحددوا مساقات إعادة القراءة، بما يعطي مندوحة من حرية فكرية واهنة غير مرهونة بقداسة مسبقة.
4. أهم ما تهدف إليه المنهجية النقدية الحداثية للإرث النبوي الحضاري وإسقاطه؛ إعادة قراءته قراءة مفتوحة، باعتباره ظاهرة تاريخية ونصية قبل أن يكون وحيا، وإعادة تأويل الوحي تأويلا غربيا متحررا
ثانيا: أهــم التوصيات:يوصي الباحث بعد التطواف السابق بما يلي:
أولا: عقد ندوات ومؤتمرات عالمية يستدعى فيها الحداثيون العرب لمناقشتهم وفتح نوافذ فكرية جديدة قد تحدث لديهم نوعا من المراجعات الفكرية.
ثانيا: تخصيص مقررات دراسية ترسخ صلة الإرث النبوي بالحضارة وإثبات مخاطبته لكل عصر وفي أي مكان إلى يوم القيامة.