رئيس التحرير
عصام كامل

المجددون.. زكريا الأنصاري، شيخ مشايخ الإسلام وقاضي القضاة

هنا دُفِن الشيخ زكريا
هنا دُفِن الشيخ زكريا الأنصاري، فيتو

عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعثُ لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدِّدُ لها دينها". 


ولم يشترط السيوطي أن يكون "المجدِّدُ" فردًا، بل يشمل كل من نفع الأمة وجدد لها شيئًا من أمور دينها ودنياها في أي مجال من المجالات، وأيده في ذلك ابن الأثير الجزري وشمس الدين الذهبي، وابن كثير الدمشقي، وابن حجر العسقلاني.

ولا يلزم أن تجتمع خصال الخير كلها في شخص واحد، بل قد يكون هناك أكثر من عالِمٍ في أكثر من مكان، في وقتٍ واحدٍ، أو أزمانٍ متفرقة، يتميز كل منهم بمزية في علم من العلوم الدينة والدنيوية، شريطة أن يكونوا جميعا مسلمين، مؤمنين، ملتزمين بهدي الدين الحنيف.
وهذا موجود، ولله الحمد، حتى قيام الساعة، فهناك من يتفوق في اللغة، والفقه، والتفسير، وهناك من يمتاز في العلوم الحديثة، كالطب والهندسة والتكنولوجيا، وغيرها.. وهناك من يدفع عن الإسلام شبهات الملحدين، والمتطرفين والمفرطين، ويصد هجمات المبطلين، والمنحرفين، وأعداء الدين.


زكريا الأنصاري (823 هـ - 926 هـ)

مدحه القاضي بهاء الدين محمد بن يوسف، قائلا:


هو شيخ الإسلام، وهو إمام             كان يُقتدى به مهديا
ملأ القلب هيبةً وجلالا            وعيون الورى جمالا مليا
عالما عاملا جليلا جميلا           خاشعًا ناسكًا عزيزًا أبيا
عابدًا زاهدًا إمامًا كبيرًا        محسنًا مخلصًا كريمًا سريا

 

وضعه عبد القادر العيدروس وعبد الله بن عمر مخرمة، وجملة من العلماء كأهم المجددين على رأس القرن التاسع الهجري بصفته أحد الفقهاء، ولشهرة الانتفاع به وبتصانيفه.

من هو زكريا الأنصاري؟

هو شيخ مشايخ الإسلام، زين الدين أبو يحيى زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري السُنَيكي، نسبة إلى سُنَيكة من قرى فظة الشرقية، المصري، الأزهري، الشافعي، علَّامة المحققين، وفهَّامة المدققين، ولسان المتكلمين، وسيد الفقهاء والمحدثين، الحافظ المخصوص بعلو الإسناد، والملحق للأحفاد بالأجداد، العالم، العامل، والولي الكامل، الجامع بين الشريعة والحقيقة، والسالك إلى الله أقوم مسالك الطريقة، قاضي القضاة، وأحد سيوف الحق المنتضاة.

مولده

ولد ببلدة سنيكة بالشرقية، سنة 3 أو 4 أو 862 هـ، أو 824هـ أو 826هـ. 
ويقال إن الشيخ الصالح ربيع السلمي مرَّ يومًا بسنيكة مسقط رأس الشيخ زكريا، وإذا بامرأة تستغيث به أن ولدها مات أبوه، وقبض عليه عامل البلد يريد أن يكتبه مكان أبيه في صيد الصقور، فخلصه الشيخ منه، وقال لها: إن أردتِ خلاصه فافرغي عنه يشتغل ويقرأ بالأزهر، وعَليَّ كلفته (نفقته)، فسلمت إليه زكريا صبيا ليتخلص من الفلاحة.

تعليمه

حفظ القرآن ومبادئ الفقه صغيرا، ثم توجه إلى الأزهر سنة (841هـ) فحفظ المتون، ثم لم يلبث أن رجع إلى بلدته فمكث بها مدة، ثم عاود القدوم إلى الأزهر، فدرس العلوم كلها وتوسع فيها.

لوحة مقام زكريا الأنصاري، فيتو
لوحة مقام زكريا الأنصاري، فيتو

شيوخه

تعلم زكريا الأنصاري على يد عدد من الشيوخ، منهم: 
الإمام زين الدين أبو النعيم رضوان العقبي.
الإمام الشافعي: قرأ عليه القرآن كله بقراءات الأئمة السبعة، كما قرأ عليه الشاطبية والرائية، وسمع عليه جزءًا من التيسير للداني، ومسند الإمام الشافعي، وصحيح مسلم، والسنن الصغرى للنسائي، وسمع عليه شرح معاني الآثار للطحاوي وآداب البحث، وشرح الألفية للعراقي.
الإمام العلامة زين الدين ظاهر بن محمد بن علي النويري المالكي، قرأ عليه القرآن بقراءة الثلاثة المكملة للعشرة.
شيخ الإسلام شهاب الدين أبو الفضل المشهور بابن حجر العسقلاني: أخذ عنه الحديث، وقرأ عليه السيرة النبوية لابن سيد الناس، وشرح الألفية للعراقي وأكثر صحيح البخاري وسنن ابن ماجه حيث مات ابن حجر قبل إكماله، وسمع عليه أشياء كثيرة في العربية، والأدب، والأصول، والمعقولات.
زين الدين أبو ذرٍّ عبد الرحمن الزركشي القاهري الحنبلي، أخذ عنه: “صحيح مسلم”.
فقيه الوقت شرف الدين السبكي.
جلال الدين محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الأنصاري المحلي الأصل القاهري الشَّافِعي. 
العلامة شهاب الدين أبو العباس بن طَيْبُغَا، المعروف بابن المجدي، أخذ عنه: الفقه، والنحو، وعلم الهيئة، والهندسة، والميقات، والفرائض، والحساب، والجبر، والمقابلة.
القاضي عز الدين عبد الرحيم المعروف بابن الفرات، سمع عليه العديد من كتب الحديث.
وغيرهم كثيرون.

كما أخذ طريق التصوف عن جماعة منهم:
الشيخ شهاب الدين أبي العباس أحمد بن علي الأذكاوي.
والشيخ أبي الفتح محمد بن أبي أحمد الغزي.
الشيخ أبي حفص عمر بن علي النبتيتي.
الشيخ الفقيه أحمد بن الفقيه علي بن محمد بن حميد الدمياطي الشهير بابن الزلباني.
الشيخ زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي التميمي الخليلي.
السيد أبو عبد الله محمد بن عمر الواسطي، الغمري، الشافعي، أخذ عنه الطريق، وسافر إليه شيخ الإسلام زكريا وهو بالمحلة الكبرى، وأقام عنده أربعين يومًا، وقرأ عليه كتاب “قواعد الصوفية” له كاملا، ثم رجع إلى مصر. 
وأذن له جماعة من شيوخه وغيرهم بالتدريس والإفتاء وأجازه مشايخ يزيدون على مائة وخمسين.

نبوءة

حكى الشيخ عبد الوهاب الشعراني، عن الشيخ زكريا الأنصاري أنه قال: جئت من البلاد وأنا شاب، فلم أعكف على الاشتغال بشيء من أمور الدنيا، ولم أعلق قلبي بأحد من الخلق. ثم إن الله تعالى قيض لي شخصًا من أولياء الله تعالى كان يعمل في الطواحين في غربلة القمح، فكان يتفقدني ويشتري لي ما أحتاج إليه من الأكل والشرب والكسوة والكتب، ويقول لي: يا زكريا لا تُخْفِ عني من أحوالك شيئًا، فلم يزل معي كذلك عدة سنين، فلما كان ليلة من الليالي أخذ بيدي والناس نائمون. 
وقال لي: قم معي، فقمت معه فأوقفني على سلم الوقادة الطويل بالجامع، وقال: اصعد هذا الكرسي، فلم يزل يقول لي اصعد إلى آخر درجة. 
ثم قال: انزل، فنزلت، فقال لي: يا زكريا إنك تعيش حتى تموت أقرانك، ويرتفع شأنك، وتتولى مشيخة الإسلام مدة طويلة، وترتفع على أقرانك، وتصير طلبتك (تلاميذك) مشايخ الإسلام في حياتك حتى يكفَّ بصرك، قلتُ: ولا بد لي من العمى. 
فقال: لا بد، ثم انقطع عني فلم أره بعد ذلك.

تفوقه في العلم

كان بارعًا في العلوم الشرعية؛ حديثًا، وتفسيرًا، وفقهًا، وأصولا، وعربية، وأدبًا، ومعقولا، ومنقولا. فأقبل عليه الطلبة للتعلم منه، وعمَّر حتى رأى تلاميذه وتلاميذ تلاميذه شيوخ الإسلام، وقرت عينه بهم في محافل العلم ومجالس الأحكام، وقصد بالرحلة إليه من الحجاز والشام.


وولي المناصب، وولاه السلطان قايتباي قضاء القضاة، فلم يقبله إلا بعد إلحاح، ثم عزل عن القضاء بسبب كتابته على بعض أمور أجراها السلطان بأنها ظلم، وزجره عنها.
وعاش عزيزًا مكرمًا محظوظًا في جميع أموره دينًا ودنيا بحيث قيل: إنه حصل له من المناصب والدروس والمرتبات والأملاك، قبل دخوله في منصب القضاء، كل يوم نحو ثلاثة آلاف درهم، وجمع من الأموال، والكتب النفيسة ما لم يتفق لمثله. 
ومتع بالقول على ملازمة العلم والعمل ليلا ونهارًا مع مقاربة مائة سنة من عمره من غير كلل ولا ملل مع عروض الانكفاف له (عدم الاحتياج في الرزق). 
وكان رجاعًا إلى الخير، منقادًا للمعروف، منصفًا لمن حوله ولو صغيرًا، غير متكثر (مغرور) بالعلوم والمشيخة، ضابطًا لأوقاته غير مضيع لعمره.
وقد رزق حظًا وافرًا وتكاثرت عليه الطلبة، والمشايخ الكمل، ووسع الناس، واستجلبهم بقبول ما يأتون، والتوجه إلى ما يبدون.

ضريح الشيخ زكريا الأنصاري، فيتو
ضريح الشيخ زكريا الأنصاري، فيتو


وقد كان يتأسف على تولية القضاء. قال الشعراني: قال في مرة إنها كانت غلطة. فقلت له: ما هي؟ فقال لي: توليتي للقضاء؛ صيرتني وراء الناس مع أني كنت مستورًا، قال: فقلت له: يا سيدي إني سمعت بعض الأولياء يقول: كانت ولاية الشيخ للقضاء سترًا لحاله لما شاع عند الناس من صلاحه وزهده وورعه ومكاشفاته. 
فقال: الحمد لله لقد خففتَ عني يا ولدي.

كراماته

وكانت أول شهرته بالصلاح والولاية في أيام السلطان خشقدم، فقد كان في باب النصر رجلٌ مشهورٌ بالصلاح، فمر عليه السلطان خشقدم، فوقف عليه يزوره، فقال للسلطان: إذا كان لك حاجة، فاسأل فيها الشيخ زكريا، فركب السلطان فزاره، فأسرعت الناس إليه، فمن ذلك اليوم اشتهر بالصلاح.

وكان مستجاب الدعوة فما يدعو بدعاء إلا واستجيب.. وروى الشعراني أنه دعا لأعمى، فأبصر. 
وحكى غير واحد أن الشيخ دخل إلى الغوري في حادثة تعصَّب الغوري فيها، فعلم الغوري بأن الشيخ جاء في ذلك، فأمر بوضع سلسلة حديدية على بابه، فجاء الشيخ وهو راكب على بغلته، فقطع السلسلة بكراسة كانت في يده من غير اكتراث ثم دخل ودخل الناس معه.
كان أمثل أهل زمانه وأرأس العلماء من أقرانه، ورُزق البركة في عمره، وعلمه وعمله، وأعطي الحظ في مصنفاته وتلاميذه حتى لم يبق بمصر إلا طلبتُه وطلبة طلبته.

عبادته

وكان الشيخ مع ما كان عليه من الاجتهاد في العلم اشتغالا، واستعمالا وإفتاءً، وتصنيفًا، ومع ما كان عليه من مباشرة القضاء، ومهمات الأمور، وكثرة إقبال الدنيا؛ لا يكاد يفتُر عن الطاعة ليلا ونهارًا، ولا يشتغل بما لا يعنيه، وقورًا، مهيبًا، مؤانسًا، ملاطفًا، يصلي النوافل من قيام مع كبر سنه وبلوغه مائة سنة وأكثر، ويقول: لا أعود نفسي الكسل، حتى في حال مرضه كان يصلي النوافل قائمًا، وهو يميل يمينًا وشمالا، لا يتمالك أن يقف بغير ميل للكبر والمرض، فقيل له في ذلك. 
فقال: يا ولدي النفسُ من شأنها الكسل، وأخاف أن تغلبني، وأختم عمري بذلك.
وكان قليل الأكل لا يزيد على ثلث رغيف.
وكان، رضي الله تعالى عنه، كثير الصدقة مع إخفائها، وكان له جماعة يرتب لهم من صدقته ما يكفيهم إلى يوم، وإلى جمعة، وإلى شهر، وكان يبالغ في إخفاء ذلك.

مقبرة القرافة في القاهرة في أواخر القرن التاسع عشر، حيث دفن زكريا الأنصاري قرب مقام الإمام الشافعي، فيتو
مقبرة القرافة في القاهرة في أواخر القرن التاسع عشر، حيث دفن زكريا الأنصاري قرب مقام الإمام الشافعي، فيتو


وكان له تهجد وتوجه وصبر واحتمال، وترك القيل والقال، وله أوراد وتواضع.
قال السيوطي: لزم الجد والاجتهاد في القلم والعلم والعمل، وأقبل على نفع الناس إقراءً وإفتاءً وتصنيفًا، مع الدين المتين، وترك ما لا يعنيه، وشدة التواضع ولين الجانب، وضبط اللسان والسكوت.

مؤلفاته:

رزق الشيخ، رحمه الله، جودة التآليف مع الكثرة، واشتهر منها:
أسنى المطالب في شرح روض الطالب، وهو شرح على روض الطالب في الفقه الشافعي لابن أبي بكر المقري اليمني والذي هو مختصر لروضة الطالبين، وقد ختم شيخ الإسلام تحقيقه بين يدي مؤلف المتن الشيخ المقري.
إحكام الدلالة على تحرير الرسالة. شرح فيه الرسالة القشيرية في التصوف. 
بلوغ الأرب بشرح شذور الذهب. شرح على متن شذور الذهب في النحو لابن هشام.
الزبدة الرائقة في شرح البردة الفائقة. وهو شرح على البردة للبوصيري.
شرح البسملة والحمدلة.
تحفة الباري شرح الجامع الصحيح للبخاري. وهو شرح حافل لصحيح البخاري.
شرح الأربعين النووية.. وغيرها كثير جدا.

وفاته

كانت وفاته يوم الأربعاء ثالث ذي الحجة، وقيل: ذي القعدة والأول أصح؛ لأن قائله شاهد عيان وهو ابن إياس في بدائع الزهور.. عن 103 سنوات، وغُسِّل في صبيحة يوم الخميس، وكُفِّن وحمل ليُصلى عليه بالجامع الأزهر في محفل من العلماء، والفضلاء، وخلائق لا يحصون، واجتمع بالجامع الأزهر وحوله جمع كبير للصلاة عليه، وأوشكوا أن يدخلوا به، وإذا برسل ملك الأمراء خاير بك، يحملونه إلى سبيل أمير المؤمنين ليتمكن من الصلاة عليه، ثم أمر بأن يدفن بجوار الإمام الشافعي.


وكان تلميذه عبد الوهاب الشعراني قد رأى قبل موته منامًا وقصه عليه.. وفسره الشيخ الأنصاري بأنه سيدفن بجوار الإمام الشافعي، مؤملا أن يدخل الجنة.
وبالفعل تحققت رؤيا الشعراني، رغم أن الجميع كان قد نووا أن يدفنوه في مقابر باب النصر.
وكانت جنازته مشهودة، ودُفن بالقرافة الصغرى بتربة الشيخ نجم الدين الخويشاتي بقرب قبر الإمام الشافعي.

وأقيمت عليه صلاة الغائب عقب صلاة الجمعة بالمسجد الحرام، ونُعي في الحرم المكي.. كما صُلِّي عليه صلاة الغائب بالجامع الأموي بدمشق.
 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية