الزيادة السكانية قنبلة موقوتة تواجه التنمية.. وعلماء الإسلام يضعون روشتة إصلاح توازن بين الشرع والمصلحة القومية
أزمة الزيادة السكانية لم تعد أحد مهددات التنمية وجهود اللحاق بالأمم المتمدنة والحديثة، بل أصبحت قنبلة انفجارية قد تطيح بالمجتمع المصرى فى أي وقت، إذ لا تتناسب الزيادة المطردة مع الموارد المتاحة والتي تتضاءل باستمرار، ما يخلق تحديات مزمنة للدولة المصرية، ولهذا فتحت "فيتو" الملف مع عدد من المتخصصين والمعنيين بالأزمة وإشكالياتها، على رأسهم مجموعة من علماء الأزهر الشريف الذين يقع على كاهلهم مواجهة الدعاية الدينية السلبية للتيارات الدينية، والتى تعادى جهود الدولة فى عملية تنظيم النسل وتوعية المواطنين بالمخاطر الحقيقية للأزمة الراهنة، مستغلين فى ذلك عدم معرفة طبقة كبيرة من المجتمع بأحكام الشرع الحنيف.
فى البداية أوضحت الدكتورة فتحية الحنفى أستاذ الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر، أن أزمة الزيادة السكانية المراد بها أن السكان يتزايدون بمعدلات مرتفعة مقابل قلة الموارد التى لا تكفى لمعيشة الناس، وهى مشكلة وضع الإسلام لها حلول كثيرة، بالدعوة إلى العمل والكسب المشروع.
أضافت: ما ينص عليه الإسلام أكده أحد علماء الاقتصاد القس الإنجليزى “توماس روبرت مالتوس“ فى مقال له حين أثيرت المشكلة فى الغرب فقال ”إن مواجهة الزيادة فى السكان تكون بالعمل وزيادة الإنتاج”، وبما أن أحكام الإسلام صالحة لكل زمان ومكان كان الدين عنده الحل لأى مشكلة تتفاقم، لأن أحكامه مستقاة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه، ومن خلال تتبع الأحكام نجد أن الشريعة الإسلامية دعت إلى حفظ النسل الذى هو أحد مقاصدها الضرورية.
حكمة الخلق
وأشارت "الحنفي" إلى أن الحكمة من خلق الله التوالد والتناسل جيلا بعد جيل، لكن فى الوقت نفسه الإسلام ربط الزواج والتناسب بالقدرة على تحمل تكاليف الزواج ورعاية الأسرة، وإلا فإن تأخير الزواج يكون مطلوبا، قال تعالى: «وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ»، وقال صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء»، كما أنه يباح لولى الأمر وضع سن معين للزواج.
وأضافت «الحنفي» لـ«فيتو» الإسلام شرع أيضًا تنظيم النسل لمعالجة القضية وضبط التوازن بين عدد السكان والموارد المتاحة، والمقصود بتنظيم النسل المساعدة بين فترات الحمل حفاظا على صحة الأم وتفرغها لتربية ما لديها من أبناء.
أما الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية فى جامعة الأزهر، فيرى أهمية تجديد خطاب التوعية الدينية بقضية الزيادة السكانية، واستخدام لغة خطاب مبسطة تصل لعقول البسطاء بسهولة، بعيدا عن القوالب الوعظية التقليدية التى لا يفهمها كثيرون، مطالبًا بأن تتناول خطب الجمعة هذه القضية مع التوعية عبر الوسائل الإعلامية لإنقاذ الوضع الحالى.
وطالب الدولة بالاستنفار دعويا للمسلمين ورعويا للمسيحيين وتعليميا وثقافيا وإعلاميا على أن تسير جميع هذه المحاور بالتوازى، حتى تأتي بثمارها المرجوة، بالإضافة إلى ضرورة نزول المجالس المعنية بالمرأة والأسرة والسكان والأمومة والطفولة إلى الشارع، حتى تتجاوز الدور الشكلى إلى الموضوع النافع فى هذه القضية.
وأضاف "كريمة" لـ"فيتو" أن مواجهة التيارات الدينية المتشددة والتى تؤيد زيادة النسل دون ضابط تتطلب مواجهة الكيانات الدينية غير المعتمدة، والتى تمارس الدعوة الخاطئة، وخاصة التيار المتشددة التى تهيمن على عدد من الزوايا والمساجد، ومراكز تحفيظ القرآن والحضانات التى أصبحت تمثل تهديدا على فكر البسطاء عبر منصات التواصل الاجتماعى، إذ تحرم تنظيم الأسرة، وتؤكد أن كثرة النسل من الضرورات الدينية، وكأن السباق مع العالم يتطلب زيادة العدد فقط.
بدوره يرى الدكتور محمد سالم أبو عاصى، عميد كلية الدراسات العليا الأسبق بجامعة الأزهر، أننا نعانى من أزمة عدم تحديد المصطلحات، مضيفا: فى هذا الملف نتحدث عن ثلاثة أمور: وهى التعقيم: ومعناها منع النسل نهائيًا، والتنظيم: أن يقوم الأب بالتنظيم بين كل مولود وآخر بفترة زمنية معينة متفق عليها بين قطبى الأسرة الرجل والمرأة، والتحديد: وهو تحديد عدد الأطفال برقم معين.
تنظيم النسل
أضاف: أما فيما يخص منع النسل بشكل تام فالفقهاء اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال، الأول منهم يرى أنه لا يجوز لأن فيه قطع النسل وامتداد الحياة والذرية، وأن المولى عز وجل خلقنا لعمارة الكون، وأن هناك رأى آخر يقول إن هذا الأمر يجوز لأنه لم يرد فى الكتاب والسنة ما يمنع الأنسان من منع نسله، وأن الأصل فى الأشياء الإباحة، ورأى ثالث يقول بأنه يجوز التعقيم لعلة مرضية جنسية أو نفسية.
وشدد "أبوعاصي" لـ"فيتو" على أننا يجب أن نفرق بين أمرين فى هذا الملف وهما الفتوى الخاصة والعامة، خاصة أن هناك بعض الفقهاء أجازوا الاتفاق على عدم الإنجاب، لكن لا يمكن إصدار رأى عام لأنه يتعطل ما خلق الكون من أجله، منتقدًا الداعين لكثرة الإنجاب استنادًا إلى حديث الرسول: "تناسلوا تكاثروا إنى مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة"، قائلا: "هل النبى يباهى بنا الأمم بأطفال الإشارات والشوارع والأطفال المرضى والجهلاء؟"، موضحا أنه يجب أن يتباهى بنا النبى الكريم نفسيا وخلقيا وجسمانيا وعلميا وحضاريا، مردفا: يتباهى بنا ونحن أمة قوية تخترع وتبدع وتنشأ وتعلم، وذلك لأن الإنسان لا يتباهى بالضعفاء والكسالى والمرضى، وهنا العلماء قالوا بالهيئة لا بالعدد.
وأوضح عميد كلية الدراسات العليا الأسبق بجامعة الأزهر أن إنجاب طفلين يحقق الكثرة التى قال عنها الرسول فى الحديث، وأن علماء اللغة قالوا إن الاثنين جمع، مضيفا: "أقل الجمع عند علماء اللغة العربية هو اثنين، وعند علماء الشريعة أقل الجمع ثلاثة، والكثرة فى حديث الرسول ليس شرطا أن يكونوا 10 أو 15، لأن الاثنين فى اللغة العربية كثرة".
وأضاف: لا يؤخذ الحكم من نص واحد، وإنما الوحدة الموضوعية شرط صحة الاستنتاج، فالرسول قال فى حديث آخر: «توشك أن تداعى عليكم الأمم. قالوا: أمِن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل أنتم كثر ولكن كغثاء السيل».
وتعقيبًا على مقولة: «كل طفل بيجى برزقه»، قال أبو عاصى: إنها مقولة صحيحة، لكن بشرط الأخذ بالأسباب، وأن تعمل وتنتج، لا أن تنجب 7 أولاد ولا تعمل منتظرا الرزق، بجانب أن الفقهاء المعاصرون اتفقوا أن تنظيم النسل لا شيء فيه، وأن النبى أجاز العزل، لذا تنظيم النسل من صلب الشريعة الإسلامية.
نقلًا عن العدد الورقي…،