هل لايزال الرجل المصرى سيدا في بيته؟
ربما كان طرح السؤال بهذه الطريقة المباشرة مؤذيا ومستفزا ويفتح على الكاتب أبوابا من المجادلة فيها من التجريح والاستنكار أكثر مما فيها من الحجة والرد عليها، لكن لا بآس أن نتحمل تبعات النقاش العام علي أن نلتزم الصمت، متجاهلين ظواهر اجتماعية عديدة، تضغط علي البيت المصرى، ضغطا يعكس عمق الأزمة الاجتماعية التي بسببها نشهد تحولات كبيرة ومخزية في علاقة من أطهر وأقدس العلاقات، وهي العلاقة الزوجية.
من المفيد في التحليل العلمي والبحث في جذور المشكلة تحديد نوع المشكلة وحجمها، وأصل المشكلة هنا تعريف السيادة. سيادة الدولة غير سيادة الزوج، غير سيادة المدير. سيادة الزوج ليس جلوسه على العرش متربعا، ولا متسلطا، ولا اعتبار من في البيت عبيده ورعيته، بل هم أهله وناسه وأصله، ومن ثم فإن المقصود بأن يكون الرجل سيدا في بيته هو توقيره واحترام كلمته الصائبة، والحفاظ علي هيبته، وخلق مرجعية له عند أولاده، وبالطبع فإنه لن يحصل على هذه المكانة ما لم يحترم نفسه أولا، وما لم يحترم زوجته أولًا أيضا، وما لم يحترم دوره الحقيقي كسلطة أبوية غير غاشمة، بل متعقلة متفهمة.
كل ما ذكرناه أعلاه هو المفروض نظريا، وكل ما نعانيه من تآكل سيادة الأب في بيته هو الواقع. الواقع يقول إن الزوج أو الأب لم يعد صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، ولم يعد صاحب القرار، بل هنالك منازعة وهنالك مشاركة، المنازعة باب من أبواب رفض السلطة داخل الأسرة تتزعمها الزوجة، أو ولد متمرد، يلقي التشجيع ولو بالسكوت وعدم المؤاخذة من جانب آخر.
حرب زوجية
المنازعة رفض لدور الرجل في بيته من جانب زوجة متسلطة أو عنيدة أو مظلومة أو متمكنة ماليا. الواقع يقول إن الأب والزوج لم يعد موضع الاهتمام الكافي بقدر ما هو موضع الفحص والتمحيص وتعدد المطالبات لحد الإرهاق، رغم إدراك كل الزوجات أن العالم بآسره في أزمة مالية طاحنة.
الواقع يقول إن الندية خلقت في سفينة البيت رأسين، وأن الندية نجمت عن تزايد الدور المالي للزوجة في نفقات الأسرة طوعا أو تنازلا على مضض أو غصبا. في الحالات الثلاث، طوعا أو تنازلا أو غصبا، لن يسلم الزوج من رد فعل سواء تأففا أو صوتا محتجا أومنازعة ومعايرة ومباكتة، ومع تزايد الدور التمويلي للزوجة تبدأ مرحلة المقايضة، ويصحب ذلك كله انحسار سلطة الأب، وخفوت صوته، والتماسه كهوف الصمت، وشيئا فشيئا، يتدهور الحال به نفسيا ويدخل مرغما خانة رد الفعل، لأن الفعل صار بيد الزوجة.
بيوتنا الأن على شعرة، بسبب ضعف الدخل للرجل، وهذا أمر يصعب احتماله، فالبيوت لا تدار بالحنية بل بالجنيه، تدار بكفاية الرجل لبيته، وأن يقدر على إعالته، وأن يملأ عين زوجته بتمام مسئوليته عن طلباتها المعقولة. الوضع الحالى وضع البيت المصرى في حالة عصبية عنيفة، الشجار والمنازعات والعصيان مفردات يومية. الطرفان في حرب، لم تعد حرب سيادة، بل حرب إعاشة وتبديل أدوار.. بالطبع هنالك زوجات صابرات يتحملن ويدبرن.. لكن إلى متى؟
نعم تآكلت سلطة الأب وتتآكل مع انحسار قدرته المالية، ومن الصعب أن نطالب الطرفين وهما تحت الضغط بأن يكونا سكنا ورحمة، مع وجود سيدات محرضات يطالبن الزوجة بالقفز من السفينة وهي تغرق.. ليس مطلوبا أن يكون الرجل سيدا بمعني المسيطر في بيته، بل كافيا بيته، فعندئذ تهدأ النفوس وتحل السكينة، ويتراجع دور المحرضات داعيات الخراب في الإعلام
ونواصل