حكايات الست ماري (7)
سبعون عاما هي عمر الست ماري في بطاقتها الشخصية، لكنك حين تمعن النظر في الأمر ستجد أنها طفلة في الرابعة عشر من عمرها. بدأت القصة حين لمحت الست ماري تخرج من بيتها ثم أغلقت الباب بهدوء شديد، ومضت بخطوات رشيقة تنزل السلم، وكأنها لص يخشى لفت الأنظار.
وقتها كنت في طريقي إلى العمل، غير أن ذلك المنظر دفعني لأن أراقبها، لأري إلى أين ستذهب وماذا ستفعل، لعلي أفهم سر ذلك الخروج الباكر وحذرها في مغادرة المكان. بعد خروجها من باب العمارة، تمشي الست ماري بخطوات أكثر سرعة، حتى وصلت إلى المخبز القابع على ناصية الشارع ودخلته لنحو دقيقة واحدة، ثم خرجت وهي تحمل في يدها لفافة، بينما ارتسمت على وجهها ابتسامة صافية.
أمور غريبة
بهدوء، تابعت الست ماري وهي تمضي في طريقها بخطوات أوسع، وحين وصلت إلى إحدى البنايات توقفت، وراحت تصدر من فمها صوت صفير متتابع، ولم تتوقف حتى أطل طفل صغير من إحدى الشرفات، فلوح لها بيده ثم سرعان ما أدخل رأسه وأغلق النافذة، وقبل أن يكمل عقرب الثواني في ساعة يدي لفة واحدة، كان الطفل في الشارع يضع يده في يد الست ماري، ومضيا في طريقهما.
ثم تكرر الأمر في شارع آخر وبناية أخرى، بينما التي أطلت من شرفتها هذه المرة فتاة أظنها في التاسعة من عمرها، وهكذا كان الحال في بناية ثالثة ثم رابعة، حتى صار عدد الأطفال الذين استجابوا لصافرة الست ماري ستة.
لولا معرفتي الجيدة بالست ماري ونقاء سريرتها لقلت إنها تتزعم عصابة لخطف الأطفال، فتصرفاتها وحرصها على التسلل بهدوء إلى خارج البيت، ثم استدعاء الأطفال بالصفير كلها أمور بدت غريبة.
المهم، تابعت مراقبة الست ماري والستة أطفال من شارع إلى شارع ومن محل إلى آخر، حتى وصلوا جميعا إلى إحدى الحدائق العامة، فأخرجت طفلة من حقيبتها ملاءة وفرشتها على العشب، فيما انشغل أحد الصبية بنفخ الهواء داخل كرة بلاستيكية أخرجها من تحت ملابسه، أما الست ماري فكانت منشغلة بإعداد شطائر الجبن.
في الحديقة
أكلوا جميعا وشربوا شيئا أظنه عصيرا أخرجته فتاة أخرى من حقيبة صغيرة كانت تحملها، ثم سرعات ما تمدد الأطفال كل في ناحية، بينما أخذت الست ماري تدحرجهم على العشب كي ينهضوا، إذ بدت أكثر حيوية منهم وهي التي تكبر أكبرهم بنحو ست عقود كاملة.
استجاب الأطفال للست ماري، وراحوا يتقاذفون الكرة في ما بينهم، في الوقت الذي كانت هي فيه تحاول الإمساك بمن يحمل الكرة، إلى أن نجحت في ذلك فأمسكت بأحد الصبية وانفجر الجميع ضحكا.
بعدما ملوا من اللعب بالكرة، نظمت الست ماري في ما بينهم سباقا للسرعة، وليس عجيبا إذا قلت إنها كادت تسبقهم جميعا، لولا ذلك الصبي الذي سبقها ببضع خطوات.
مطاردة الفراشات
حل التعب على الجميع، فرقدوا على الملاءة والعشب المبلل، بينما بقيت الست ماري تتمشى في الجوار، ومن خطوة لأخرى تميل لتلتقط شيئا من بين العشب، ثم عادت وهي تحمل صحبة من الورود الصغيرة، لكنها قبل أن تصل إلى حيث يجلس الأطفال، أسقطت صحبة الورد، وراحت تطارد فراشة ملونة تحط هنا وتطير هناك.
لم تعمد الست ماري إلى الإمساك بالفراشة، فقط كانت تجري خلفها وكأنها تتبعها إلى مكان ما حتى غابت عن عيني. تأخرت الست ماري لنحو نصف ساعة، فسمعت الأطفال يتهامسون بكلمات لم أمع منها سوى «يبدو أنها عادت لمطاردة الفراشة مرة أخرى».. قالها أحد الأطفال ثم هم واقفا وتبعه الباقون ومضوا في طريق العودة إلى بيوتهم، التي لم تكن بعيدة عن الحديقة.
ذهبت للبحث عن الست ماري في كل أنحاء الحديقة، غير أن مسعاي لم يتوج بالنجاح، فذهبت إلى محل عملي. في المساء عدت إلى البيت، وحين اقتربت من باب بيت الست ماري استمعت إلى صوت الراديو، إذ كان صوت أسمهان ينساب بنعومة «يا حبيبي تعال الحقني شوف اللي جرالي».
طرقت الباب عدة مرات حتى تنبهت الست ماري، ففتحت لي ودمعات تناسب على خديها، فدخلت وجلست كعادتي، ودون أن تنطق كلمة، جلبت السبرتاية وعدة القهوة، وقالت لي وهي تصب لي فنجانها المعتبر: «تريد أن تعرف حكاية الفراشة؟». لم أشك لحظة في أنها لمحتني في الحديقة أو حين كنت أتبعها في الشارع، لكن يبدو أنها كانت تعلم، وقبل أن أفتح فمي، قالت: «اشرب قهوتك وسأحكي لك قصتي».
وقتها كنت في طريقي إلى العمل، غير أن ذلك المنظر دفعني لأن أراقبها، لأري إلى أين ستذهب وماذا ستفعل، لعلي أفهم سر ذلك الخروج الباكر وحذرها في مغادرة المكان. بعد خروجها من باب العمارة، تمشي الست ماري بخطوات أكثر سرعة، حتى وصلت إلى المخبز القابع على ناصية الشارع ودخلته لنحو دقيقة واحدة، ثم خرجت وهي تحمل في يدها لفافة، بينما ارتسمت على وجهها ابتسامة صافية.
أمور غريبة
بهدوء، تابعت الست ماري وهي تمضي في طريقها بخطوات أوسع، وحين وصلت إلى إحدى البنايات توقفت، وراحت تصدر من فمها صوت صفير متتابع، ولم تتوقف حتى أطل طفل صغير من إحدى الشرفات، فلوح لها بيده ثم سرعان ما أدخل رأسه وأغلق النافذة، وقبل أن يكمل عقرب الثواني في ساعة يدي لفة واحدة، كان الطفل في الشارع يضع يده في يد الست ماري، ومضيا في طريقهما.
ثم تكرر الأمر في شارع آخر وبناية أخرى، بينما التي أطلت من شرفتها هذه المرة فتاة أظنها في التاسعة من عمرها، وهكذا كان الحال في بناية ثالثة ثم رابعة، حتى صار عدد الأطفال الذين استجابوا لصافرة الست ماري ستة.
لولا معرفتي الجيدة بالست ماري ونقاء سريرتها لقلت إنها تتزعم عصابة لخطف الأطفال، فتصرفاتها وحرصها على التسلل بهدوء إلى خارج البيت، ثم استدعاء الأطفال بالصفير كلها أمور بدت غريبة.
المهم، تابعت مراقبة الست ماري والستة أطفال من شارع إلى شارع ومن محل إلى آخر، حتى وصلوا جميعا إلى إحدى الحدائق العامة، فأخرجت طفلة من حقيبتها ملاءة وفرشتها على العشب، فيما انشغل أحد الصبية بنفخ الهواء داخل كرة بلاستيكية أخرجها من تحت ملابسه، أما الست ماري فكانت منشغلة بإعداد شطائر الجبن.
في الحديقة
أكلوا جميعا وشربوا شيئا أظنه عصيرا أخرجته فتاة أخرى من حقيبة صغيرة كانت تحملها، ثم سرعات ما تمدد الأطفال كل في ناحية، بينما أخذت الست ماري تدحرجهم على العشب كي ينهضوا، إذ بدت أكثر حيوية منهم وهي التي تكبر أكبرهم بنحو ست عقود كاملة.
استجاب الأطفال للست ماري، وراحوا يتقاذفون الكرة في ما بينهم، في الوقت الذي كانت هي فيه تحاول الإمساك بمن يحمل الكرة، إلى أن نجحت في ذلك فأمسكت بأحد الصبية وانفجر الجميع ضحكا.
بعدما ملوا من اللعب بالكرة، نظمت الست ماري في ما بينهم سباقا للسرعة، وليس عجيبا إذا قلت إنها كادت تسبقهم جميعا، لولا ذلك الصبي الذي سبقها ببضع خطوات.
مطاردة الفراشات
حل التعب على الجميع، فرقدوا على الملاءة والعشب المبلل، بينما بقيت الست ماري تتمشى في الجوار، ومن خطوة لأخرى تميل لتلتقط شيئا من بين العشب، ثم عادت وهي تحمل صحبة من الورود الصغيرة، لكنها قبل أن تصل إلى حيث يجلس الأطفال، أسقطت صحبة الورد، وراحت تطارد فراشة ملونة تحط هنا وتطير هناك.
لم تعمد الست ماري إلى الإمساك بالفراشة، فقط كانت تجري خلفها وكأنها تتبعها إلى مكان ما حتى غابت عن عيني. تأخرت الست ماري لنحو نصف ساعة، فسمعت الأطفال يتهامسون بكلمات لم أمع منها سوى «يبدو أنها عادت لمطاردة الفراشة مرة أخرى».. قالها أحد الأطفال ثم هم واقفا وتبعه الباقون ومضوا في طريق العودة إلى بيوتهم، التي لم تكن بعيدة عن الحديقة.
ذهبت للبحث عن الست ماري في كل أنحاء الحديقة، غير أن مسعاي لم يتوج بالنجاح، فذهبت إلى محل عملي. في المساء عدت إلى البيت، وحين اقتربت من باب بيت الست ماري استمعت إلى صوت الراديو، إذ كان صوت أسمهان ينساب بنعومة «يا حبيبي تعال الحقني شوف اللي جرالي».
طرقت الباب عدة مرات حتى تنبهت الست ماري، ففتحت لي ودمعات تناسب على خديها، فدخلت وجلست كعادتي، ودون أن تنطق كلمة، جلبت السبرتاية وعدة القهوة، وقالت لي وهي تصب لي فنجانها المعتبر: «تريد أن تعرف حكاية الفراشة؟». لم أشك لحظة في أنها لمحتني في الحديقة أو حين كنت أتبعها في الشارع، لكن يبدو أنها كانت تعلم، وقبل أن أفتح فمي، قالت: «اشرب قهوتك وسأحكي لك قصتي».