حكايات الست ماري 6
يأسرني بيت الست
ماري في كل مرة أدخله، وأنا أسميه بيتا وليس شقة، وشتان بين هذا وتلك، والقادمون من
القرى والأحياء القديمة مثلي يعرفون الفارق جيدا. في نظري، فإن الشقق
مجرد علب سكنية يعيش داخلها مجموعة من الأفراد، لا رابط بينهم سوى قرابة «قدرية» لا
دخل لهم فيها، أما البيوت فجميع من فيها يحيون وكأنهم أجزاء من جسد واحد.
ورغم أن الست ماري تعيش وحدها في هذا البيت، إلا أنك حتما ستشعر أنه دوما مسكون بأهله.. ستجد الحب في كل ركن وستجد الآمان في كل زاوية. وأظن أن الأمر مرجعه إلى قدرة الست ماري على بث الدفء والمحبة في أرجاء المنزل، فهي تملك طاقة لا حدود لها من المودة لكل البشر حولها بل ولكل الاشياء أيضا، إذ أن لديها قدرة على تزويد الأشياء ببعض من روحها التي تنعكس في كل ما حولها.
طقطوقة خشب
في أحد أركان الصالون، تنزوي طقطوقة قديمة من خشب الزان، وقد انكسرت إحدى قوائمها، فاستعاضت عنها الست ماري بقطعة من الخشب، أعتقد أنها كانت رجل كرسي قديم، ثم لونتها بطلاء متبقي منذ أعادت طلاء باب المنزل، قبل سنوات.
والناظر إلى الطقطوقة لن يؤرقه اختلاف قوائمها، إذ أن وجود ذلك القائم البديل والمختلف أضفى مسحة من الجمال إليها، فباتت تحفة تسلب الأنظار، وتؤكد على أن الاختلاف ليس بالضرورة خلاف، مع الأخذ في الحسبان ذلك «الهارموني» الذي صنعته الست ماري بتوليفتها وروحها الظاهرة في الأشياء.
على التربيزة التي تتوسط الحائط الأيمن، في مدخل المنزل، وضعت الست ماري مزهرية تحمل رسومات يدوية زرقاء تمثل دوائر ومربعات مختلفة، صنعتها صاحبة البيت من برطمان زجاجي فارغ وبعض الألوان.. ربما الست ماري ليست بارعة في الرسم، لكن خطوطها الطفولية تتمازج مع الأزهار بشكل ساحر، يجعلك تلحظ ذلك الانسجام ما بين الطبيعة والأشكال الهندسية من حولنا، فتكتشف أن الحياة موجودة في كل شيء حتى ولو بدى لنا جمادا أو مجرد شكل خيالي لا وجود له.
برواز وبراد
فوق التربيزة بنحو متر، يتدلى برواز داخله صورة عائلية، تجتمع فيها أسرة الست ماري.. ذلك البرواز صنعته هي من خيوط انسلت من ملابسها وملابس عائلتها في مناسبات عدة، ولم تكن سيدة البيت تتخلص منها، بل كانت تجمعها وهي لا تعرف لأي غرض تفعل ذلك، إلى أن جدلتها وجعلتها إطارا للصورة.
عادة، لا تتخلص الست ماري من الأشياء القديمة التي قد أرى أنا وأنت أنها بلا قيمة، فهي ترى أن كل شيء له قيمة شريطة أن نضعه في المكان المناسب له، ونضيف عليه لمسة من المحبة، تماما كما فعلت هي مع ذلك البراد الخزفي الذي سقط منها ذات مرة فتحطم، لكنها أعادت تجميعه ولصقته بعناية..
صحيح أنها لم تداري كل الشروخ بالبراد بشكل متقن، غير أنها تعمدت ذلك، وحين سألتها عن السر، قالت: «كي أتذكر أن الاشياء التي انكسرت يمكن إصلاحها، لكنها أبدا لن تعود إلى ما كانت عليه في السابق.. فهذا البراد يشبه العلاقات بين البشر، يمكن إصلاحها لكن لن تعود كما كانت، ومع ذلك علينا منحها فرصة أخرى للحياة».
أرواح
كل الأشياء قابلة لإعادة التوظيف في بيت الست ماري إلا الأجساد التي غادرتها الأرواح، ففي هذا المنزل لن تجد حيوانا محنطا مثلا أو جزءا منه كقرون الغزال أو أنياب الفيل، إذ أن صاحبة المكان ترى في ذلك امتهان للروح، وتقول ماري: «كل الأشياء داخلها أرواح.. الحجر، الكتاب، الشجر، المعادن... وهذه الأشياء لا تموت أبدا حتى وإن تغيرت هيئتها أو اقتلعت من مكانها.. فقط جسد الإنسان هو الذي يموت حين تفارقه الجسد، فيفنى هو وتتحرر الروح».
في بيتها، تكلم الست ماري كل الأشياء، فهي تتحدث إلى الستائر والمصابيح والأواني والنوافذ والأوراق.. تغني لها وتلمسها فتمنحها بعض من روحها فتصير هذه الاشياء أناس مثلنا يحيون معها في هذا المكان يشعرون بها كما تشعر.
ورغم أن الست ماري تعيش وحدها في هذا البيت، إلا أنك حتما ستشعر أنه دوما مسكون بأهله.. ستجد الحب في كل ركن وستجد الآمان في كل زاوية. وأظن أن الأمر مرجعه إلى قدرة الست ماري على بث الدفء والمحبة في أرجاء المنزل، فهي تملك طاقة لا حدود لها من المودة لكل البشر حولها بل ولكل الاشياء أيضا، إذ أن لديها قدرة على تزويد الأشياء ببعض من روحها التي تنعكس في كل ما حولها.
طقطوقة خشب
في أحد أركان الصالون، تنزوي طقطوقة قديمة من خشب الزان، وقد انكسرت إحدى قوائمها، فاستعاضت عنها الست ماري بقطعة من الخشب، أعتقد أنها كانت رجل كرسي قديم، ثم لونتها بطلاء متبقي منذ أعادت طلاء باب المنزل، قبل سنوات.
والناظر إلى الطقطوقة لن يؤرقه اختلاف قوائمها، إذ أن وجود ذلك القائم البديل والمختلف أضفى مسحة من الجمال إليها، فباتت تحفة تسلب الأنظار، وتؤكد على أن الاختلاف ليس بالضرورة خلاف، مع الأخذ في الحسبان ذلك «الهارموني» الذي صنعته الست ماري بتوليفتها وروحها الظاهرة في الأشياء.
على التربيزة التي تتوسط الحائط الأيمن، في مدخل المنزل، وضعت الست ماري مزهرية تحمل رسومات يدوية زرقاء تمثل دوائر ومربعات مختلفة، صنعتها صاحبة البيت من برطمان زجاجي فارغ وبعض الألوان.. ربما الست ماري ليست بارعة في الرسم، لكن خطوطها الطفولية تتمازج مع الأزهار بشكل ساحر، يجعلك تلحظ ذلك الانسجام ما بين الطبيعة والأشكال الهندسية من حولنا، فتكتشف أن الحياة موجودة في كل شيء حتى ولو بدى لنا جمادا أو مجرد شكل خيالي لا وجود له.
برواز وبراد
فوق التربيزة بنحو متر، يتدلى برواز داخله صورة عائلية، تجتمع فيها أسرة الست ماري.. ذلك البرواز صنعته هي من خيوط انسلت من ملابسها وملابس عائلتها في مناسبات عدة، ولم تكن سيدة البيت تتخلص منها، بل كانت تجمعها وهي لا تعرف لأي غرض تفعل ذلك، إلى أن جدلتها وجعلتها إطارا للصورة.
عادة، لا تتخلص الست ماري من الأشياء القديمة التي قد أرى أنا وأنت أنها بلا قيمة، فهي ترى أن كل شيء له قيمة شريطة أن نضعه في المكان المناسب له، ونضيف عليه لمسة من المحبة، تماما كما فعلت هي مع ذلك البراد الخزفي الذي سقط منها ذات مرة فتحطم، لكنها أعادت تجميعه ولصقته بعناية..
صحيح أنها لم تداري كل الشروخ بالبراد بشكل متقن، غير أنها تعمدت ذلك، وحين سألتها عن السر، قالت: «كي أتذكر أن الاشياء التي انكسرت يمكن إصلاحها، لكنها أبدا لن تعود إلى ما كانت عليه في السابق.. فهذا البراد يشبه العلاقات بين البشر، يمكن إصلاحها لكن لن تعود كما كانت، ومع ذلك علينا منحها فرصة أخرى للحياة».
أرواح
كل الأشياء قابلة لإعادة التوظيف في بيت الست ماري إلا الأجساد التي غادرتها الأرواح، ففي هذا المنزل لن تجد حيوانا محنطا مثلا أو جزءا منه كقرون الغزال أو أنياب الفيل، إذ أن صاحبة المكان ترى في ذلك امتهان للروح، وتقول ماري: «كل الأشياء داخلها أرواح.. الحجر، الكتاب، الشجر، المعادن... وهذه الأشياء لا تموت أبدا حتى وإن تغيرت هيئتها أو اقتلعت من مكانها.. فقط جسد الإنسان هو الذي يموت حين تفارقه الجسد، فيفنى هو وتتحرر الروح».
في بيتها، تكلم الست ماري كل الأشياء، فهي تتحدث إلى الستائر والمصابيح والأواني والنوافذ والأوراق.. تغني لها وتلمسها فتمنحها بعض من روحها فتصير هذه الاشياء أناس مثلنا يحيون معها في هذا المكان يشعرون بها كما تشعر.