رائحة مريم
في الصباح، حين ضبطتني
جدتي ألعب مع مريم ابنة الجيران، صرخت بعلو حسها وجذبتني من ذراعي بقوة، جعلتني أسمع
طقطقة عظام كتفي وهي تتفسخ، فيما رمقت صديقتي الصغيرة بنظرة مخيفة، ومضت تحملني بين
ذراعيها إلى داخل بيتنا المتكور على نفسه كأنه، قبل أن تغلق الباب بشدة، وهي تتمتم
بكلمات لم أفهم منها شيئا. وضعتني جدتي في حجرها،
وأمامها طبق به ماء وملح، وراحت تنثر قطرات منه على جبيني، وهي تواصل التمتمة، غير
مكترثة بانتفاضة جسدي، ولم أدر بشيء إذ غفوت والدموع تنهش في وجنتي، كشلال يتدفق على
صخرة.
في المساء، وبينما أنا بين اليقظة والصحيان، سمعت جدتي وأمي تتهامسان بكلام عجيب، هما تصران على أن مريم طفلة «ملبوسة»، مسها الجن، ولهذا فإن لعبي معها ومخالطتها –في رأيهما– خطر كبير، ومن شأنه أن يعديني فأصبح ممسوسا مثلها، وقد وجدتا الحل القاطع في أن أظل حبيسا بالبيت طالما كانت مريم في الشارع.
فلاش باك: قبل تسعة أيام دارت خناقة كبيرة بين أمي وأم مريم، فوالدتي ترفض بقاء جيراننا في بيتهم الملاصق لبيتنا، وقد طلبت من والدي أن يضرب والد مريم ليرغمه على الرحيل، أو إيداع ابنتهم مستشفى المجانين حتى تبرأ مما هي فيه أو تموت هناك ويخلص الجميع من شرها..
عفاريت مريم
في ذلك اليوم، ثار والد مريم وكاد يقتل أبي، وحين تكاثر عليه أهل الشارع، ذهب إلى قسم الشرطة، فجاءت العساكر وأخذوا أبي عنوة، وهناك أجبره الضابط أن يتعهد بعدم التعرض لمريم وأمها وأبيها.. عاد أبي من القسم والدماء تغلي في عروقه وتكاد تخرج من أم رأسه، بينما راحت أمي ترقيه بالبخور، وتتمتم في أذنه بكلام غير مفهوم، إلى أن غفى بين يديها، فسندت رأسه على الوسادة، ثم ذهبت إلى المطبخ لتعد الطعام.
حين عادت أمي إلى الغرفة النائم فيها أبي، غابت لبعض الوقت ثم سرعان ما صرخت صرخة اهتزت لها أركان البيت، وبعدها بساعات كان المكان يشغي برجال وجوههم جامدة، ونساء مكفنات بالأسود كن يصرخن بلا انقطاع، بينما أمي جالسة مثل التمثال بعينين مثبتتين على جثة أبي، الذي فارق الحياة.. اقتربت من جثة أبي، فوجدتها باردة، وحين ندهت اسمه لم يرد..
عودة من الفلاش باك: كنا في منتصف المساء، حين اقتربت مني جدتي، مهددة بأنني إن عدت للعب مرة أخرى مع مريم سوف تقص لي لساني وتفقأ عيني، لكنني لم أصدقها، فكثيرا ما هددتني هي وأمي بكلام مثل ذلك الكلام، لكنهما كانا في كل مرة يكتفين بصفعي على وجهي، ثم تضمني أمي إلى صدرها وكذلك تفعل جدتي.
حين فقدت جدتي الأمل في أن أكف عن اللعب مع مريم، أخبرتني صراحة أنها تخشى على من «عفاريت مريم»، تلك العفاريت التي تسببت في موت أبي، حين تشاجر مع أبيها..
قالت جدتي: أخشى عليك من مصير والدك يا صغيري، لم يتبق لنا من رجال سواك.. في الغد سوف أموت وستبقى أمك وحدها.. ابتعد عن تلك المشئومة لتعش أمدا طويلا وتسعد..
رقصة مريم
في المساء، كنت أنظر من شباك غرفتي، فشاهدت مريم تصعد إلى سطوح بيتهم، فسارعت إلى السلم، واعتليت سطوح منزلنا، كي أراقب مريم في الخفاء دون أن تلاحظني، لأرى ما تفعله هناك وإذا كانت ستقابل عفاريتها أو ذلك الجن الذي يلبسها.. وراء كومة من الحطب، اختبأت وأنا أطالع وجه مريم الذي كان يضوي بنور القمر.. وجها مليحا مستديرا بملامح دقيقة وابتسامة تملأ وجهها..
أخذت مريم تفك ضفائر شعرها، وهي تغني للقمر والليل، ثم راحت تتنفس الهواء بقوة وكأنها تحبس كل الرياح داخل صدرها، ثم زفرتها دفعة واحدة، فشعرت بنسيم لطيف يداعب خصلات شعري حتى كدت أغفو، لكنني سرعان ما فتحت عيني لأقصى حد، حتى أرى وجه مريم الملائكي..
كان الهواء يحمل شعر مريم في الأفق، بينما فتحت هي ذراعيها وكأنها تحضن السماء، وأخذت تتمايل وتدور حول نفسها بنعومة، إلى أن حملتها الرياح إلى أعلى، لترقص مع النجوم وترسل للقمر قبلات تضعها على كفها أولا ثم تلقي بها إليه..
انتهت مريم من رقصتها، وحطت على السطوح مرة أخرى وكأنها ريشة طائر من طيور الفردوس هبطت على الأرض، ثم جلست تضفر شعرها مرة أخرى وتعيده لهيئته الأولى، قبل أن تنزل على السلم مرة أخرى لتعود إلى غرفتها لتعانق وسادتها.
في الصباح التالي، سمعت أم مريم وأمي تتحدثان في صحن دارنا بكل ود، إذ قالت والدتي إنها ستعد لأبي الطعام الذي يحبه قبل أن يعود من العمل، وعزمت عليها أن تبقى لتتناول الغداء معنا، غير أن جارتنا أقسمت برحمة ابنتها «مريم» أنها منذ وفاة صغيرتها وهي لا تشتهي زادا، ثم همت واقفة لتغادر إلى بيتها، وحين لمحتني اقتربت مني وحضنتني وهي تتمتم بكلمات مفهومة تقول «أشم فيك رائحة مريم».
في المساء، وبينما أنا بين اليقظة والصحيان، سمعت جدتي وأمي تتهامسان بكلام عجيب، هما تصران على أن مريم طفلة «ملبوسة»، مسها الجن، ولهذا فإن لعبي معها ومخالطتها –في رأيهما– خطر كبير، ومن شأنه أن يعديني فأصبح ممسوسا مثلها، وقد وجدتا الحل القاطع في أن أظل حبيسا بالبيت طالما كانت مريم في الشارع.
فلاش باك: قبل تسعة أيام دارت خناقة كبيرة بين أمي وأم مريم، فوالدتي ترفض بقاء جيراننا في بيتهم الملاصق لبيتنا، وقد طلبت من والدي أن يضرب والد مريم ليرغمه على الرحيل، أو إيداع ابنتهم مستشفى المجانين حتى تبرأ مما هي فيه أو تموت هناك ويخلص الجميع من شرها..
عفاريت مريم
في ذلك اليوم، ثار والد مريم وكاد يقتل أبي، وحين تكاثر عليه أهل الشارع، ذهب إلى قسم الشرطة، فجاءت العساكر وأخذوا أبي عنوة، وهناك أجبره الضابط أن يتعهد بعدم التعرض لمريم وأمها وأبيها.. عاد أبي من القسم والدماء تغلي في عروقه وتكاد تخرج من أم رأسه، بينما راحت أمي ترقيه بالبخور، وتتمتم في أذنه بكلام غير مفهوم، إلى أن غفى بين يديها، فسندت رأسه على الوسادة، ثم ذهبت إلى المطبخ لتعد الطعام.
حين عادت أمي إلى الغرفة النائم فيها أبي، غابت لبعض الوقت ثم سرعان ما صرخت صرخة اهتزت لها أركان البيت، وبعدها بساعات كان المكان يشغي برجال وجوههم جامدة، ونساء مكفنات بالأسود كن يصرخن بلا انقطاع، بينما أمي جالسة مثل التمثال بعينين مثبتتين على جثة أبي، الذي فارق الحياة.. اقتربت من جثة أبي، فوجدتها باردة، وحين ندهت اسمه لم يرد..
عودة من الفلاش باك: كنا في منتصف المساء، حين اقتربت مني جدتي، مهددة بأنني إن عدت للعب مرة أخرى مع مريم سوف تقص لي لساني وتفقأ عيني، لكنني لم أصدقها، فكثيرا ما هددتني هي وأمي بكلام مثل ذلك الكلام، لكنهما كانا في كل مرة يكتفين بصفعي على وجهي، ثم تضمني أمي إلى صدرها وكذلك تفعل جدتي.
حين فقدت جدتي الأمل في أن أكف عن اللعب مع مريم، أخبرتني صراحة أنها تخشى على من «عفاريت مريم»، تلك العفاريت التي تسببت في موت أبي، حين تشاجر مع أبيها..
قالت جدتي: أخشى عليك من مصير والدك يا صغيري، لم يتبق لنا من رجال سواك.. في الغد سوف أموت وستبقى أمك وحدها.. ابتعد عن تلك المشئومة لتعش أمدا طويلا وتسعد..
رقصة مريم
في المساء، كنت أنظر من شباك غرفتي، فشاهدت مريم تصعد إلى سطوح بيتهم، فسارعت إلى السلم، واعتليت سطوح منزلنا، كي أراقب مريم في الخفاء دون أن تلاحظني، لأرى ما تفعله هناك وإذا كانت ستقابل عفاريتها أو ذلك الجن الذي يلبسها.. وراء كومة من الحطب، اختبأت وأنا أطالع وجه مريم الذي كان يضوي بنور القمر.. وجها مليحا مستديرا بملامح دقيقة وابتسامة تملأ وجهها..
أخذت مريم تفك ضفائر شعرها، وهي تغني للقمر والليل، ثم راحت تتنفس الهواء بقوة وكأنها تحبس كل الرياح داخل صدرها، ثم زفرتها دفعة واحدة، فشعرت بنسيم لطيف يداعب خصلات شعري حتى كدت أغفو، لكنني سرعان ما فتحت عيني لأقصى حد، حتى أرى وجه مريم الملائكي..
كان الهواء يحمل شعر مريم في الأفق، بينما فتحت هي ذراعيها وكأنها تحضن السماء، وأخذت تتمايل وتدور حول نفسها بنعومة، إلى أن حملتها الرياح إلى أعلى، لترقص مع النجوم وترسل للقمر قبلات تضعها على كفها أولا ثم تلقي بها إليه..
انتهت مريم من رقصتها، وحطت على السطوح مرة أخرى وكأنها ريشة طائر من طيور الفردوس هبطت على الأرض، ثم جلست تضفر شعرها مرة أخرى وتعيده لهيئته الأولى، قبل أن تنزل على السلم مرة أخرى لتعود إلى غرفتها لتعانق وسادتها.
في الصباح التالي، سمعت أم مريم وأمي تتحدثان في صحن دارنا بكل ود، إذ قالت والدتي إنها ستعد لأبي الطعام الذي يحبه قبل أن يعود من العمل، وعزمت عليها أن تبقى لتتناول الغداء معنا، غير أن جارتنا أقسمت برحمة ابنتها «مريم» أنها منذ وفاة صغيرتها وهي لا تشتهي زادا، ثم همت واقفة لتغادر إلى بيتها، وحين لمحتني اقتربت مني وحضنتني وهي تتمتم بكلمات مفهومة تقول «أشم فيك رائحة مريم».